عبد الرسول الاسدي
قبل أكثر من ثلاثة عقود طلب نزار قباني من أطفال غزة أن يعلمون العرب أسرار الدرس الأهم وهو كيف يصبح أولئك العرب رجالا بحجم المسؤولية وهو يقول:
يا تلاميذ غزة علّمونا بعض ما عندكم
فنحن نسينا…علّمونا بأن نكونَ رجالاً
فلدينا الرجال صاروا عجينًا…
وقد نسي شارعنا الكبير حينها أن العجين قابل لإعادة التشكل ويمكنه أن يصبح حجرا أو وردة أو رصاصة .بينما بعض المحسوبين على الرجال من قادة العرب لا يمكنهم أن يتشكلوا سوى لصورة واحدة وهي الدمية التي لا تعي ولا تنطق إلا بما يمليه عليها صوت الغاصب الصهيوني المحتل والإدارة الأمريكية .
فأطفال غزة الذين كانوا يعلمون العالم أسرار المواجهة بالعصا والحجارة صاروا اليوم رجالا يعلمون الدنيا كيف يقاتل المحاصرون المأسورون والمستضعفون . فشكرا لأن كل مدارس الدنيا لا يمكنها أن تتقن فنون القتال كما يفعلون بينما أطفالهم ينامون تحت ركام المنازل المنهارة وهم يحلمون بالشمس والحرية والسلام .
وفي الوقت الذي يتقن فيها أبطال الميدان أسرار صناعة الإستشهاد من أجل القضية يقف طابور طويل من المتخاذلين ممن باعوا كل القضايا في إنتظار المطرقة الصهيونية التي تهوي على المسمار الأخير في نعش العروبة في منظر لافت للحزن وعصي على الترجمة بلغتنا العربية التي خلقت لتنقل الوقائع والحقائق الجميلة وليس الزيف المنمق .
انها حكاية الإنتصار المجلجل لا تتسع حلبتها للجبناء والمتخاذلين والمارقين عن جادة العدل والمساواة والحرية ممن أستلبت منهم الإرادة فاصبحوا لا يملكون سوى التنديد الفارغ وعبارات التضامن ( إن وجدت ).
نحن نعيش في عصر إستثنائي يلعب فيه الأطفال الكبار لعبة إعادة الخلق والتشكل لتصبح جهات العالم من حولنا بلا زوايا خانقة أو ألوان خافتة لأن الشمس لا تشرق إلا على كرة التحدي وإعادة زراعة المستحيل ليصبح إنتصارا .