حاورته ؛ شيماء نوري
السخرية نوع من انواع الكتابة الهادفة التي تستخدم المفارقة والتهكم والحكايات الشعبية وتُبطن في داخلها نوع من الانتقام الاجتماعي والقصاص الأخلاقي من هؤلاء الناشزين العابثين بالوطن والمواطن وتطاولهم على المال العام ومؤسسات الدولة ، او الاستقواء على المواطن الضعيف وكل موقف فيه اعوجاج وتجاوز فتفضحه وتضخمه وتبرزه للعيان ..
وللمفارقة فإن الكتابة الساخرة ليس ككل الكتابات التي يمكن تعلمها بالمران والاطلاع ، فالسخرية فن مرسل من شخصية مشبعة بالوعي الساخر والرصد الخفي والتحسس لكل مفارقة انها أخلاق وطقوس تبدأ وتمتد إلى زمن الطفولة ..وهذا الكلام ينطبق على ضيفنا الكاتب الساخر والاعلامي حامد الحمراني الذي ملىء الصحف العراقية بكتاباته الساخرة ومؤلفاته ابتداءا من ( رونكَ سايد ) مرورا ( بسايكس داعش بيكو ) وليس انتهاءا بكتابه ( ضحكلوجيا) وهو يوثق تفاصيل حياة العراقيين ومعاناتهم من خلال كتاباته التي تعتبر ارشيفا لمرحلة تاريخية من حياة العراقيين وستتعرف الاجيال القادمة على مفارقات حياتنا السياسية والاجتماعية من خلال الكوميديا الساخرة والقاسية ..
دعونا نرحب بالكاتب الساخر حامد الحمراني ونبدأ بالأسئلة من خلال منبر الشرق الاخبارية….
* من هو حامد الحمراني حدثنا عن نفسك ماهي البدايات
– النفس جوهرة ملكوتية تختزن الملكات والاستعدادات وسماتها جينات الوراثة والبيئة والصداقات ( فالصاحب ساحب)، ووجدت نفسي في الكتابة مذ كنت مراهقا لاني كنت قارئا نهماً ، والكتابة شأنها شان بقية المخزونات تبحث عن تفريغ لمجموعة مخزوناتها الثقافية والاجتماعية والنفسية والبيئية إضافة الى الاحساس بالحاجة إلى الظهور والعطاء والهنبلة ..
المفارقة ان صاحب الابداع دائماُ يُحب الظهور أما في زمن النظام السابق فإننا نحب الاختباء!!!!!
فبدأت شاعرا اكتب عن الحب وعن السياسة ولكن بطريقة التورية فقد كنا مكبلين بالخوف من كل شيء ونتكلم مع انفسنا اكثر من الاَخرين ، وما أن انتهى الزمن الغابر حتى انفتحت أبواب الحرية في كل شيء ووفقت للذهاب الى القاهرة لمدة شهر في دورة مكثفة للصحافة حسب ترشيحات وكالة انباء اصوات العراق ورجعت خبيرا في الصحافة وكنت رئيسا لتحرير جريدة الرأي العراقي المعتمدة لدى نقابة الصحفيين بالرقم ٧٣ سنة ٢٠٠٤ وكنت قبلها قد كتبت مقالات في صحيفة الصباح والدستور والبينة الجديدة ، واذا اكتشف اني اكتب بطريقة السخرية مشحونة بالامثال الشعبية والتهكم والمفارقة وبطلة كتاباتي ( أم صبحي) تلك المرأة الحقيقة الافتراضية التي تقول ما اريد قوله في منبرها الجميل ( الكية) وعلى الهواء مباشرة عندما يكتمل نصاب منصتها من الركاب في سيارات البياع إلى الباب الشرقي يوميا وبنجاح ساحق ..
* ماهي البيئة المناسبة للكتابة بالنسبة لك ؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال اود ان اتطرق كتابي الرابع فهو كفيل ان يعطي الاجابة لهذا السؤال …
لذلك كان الاهداء في كتابي الرابع ( ضحكلوجيا) ما نصه:
أم صبحي واقع ولكنها ليست حقيقة ، وعنيفص حقيقة لكن لا علاقة له بالواقع .. وانا حامد ربي الذي جعلني أعيش بين الحقيقة والواقع وانجز ضحكلوجيا طفلا لا يعرف الحقيقة ولا يمت للواقع بصلة ..
والكتابة ككل إبداع تحتاج الى بيئة وحافز واصدقاء
و( قيمة المرأ ما يحسنهُ)، وقيل ان جميع ثقافتنا وشخصياتنا وأنماطها النفسية تخضع وحسب منطق التنمية البشرية لشيئين ( إختيار ومزاولة) وهكذا اصبحت اكتب واصبحت الكتابة مشروعي الشخصي لقول كلمة حق أمام جميع الكائنات بما فيهم السلطان الجائر والفاسد والظالم..
* ماهي،اعمالك وماهو الأقرب لك ؟
– كل مؤلفاتي عبارة عن مقالات ساخرة ابتداءا من كتابي الاول ( رونكَ سايد ..اضحك مع الحكومة وابتسم للبرلمان) مرورا بكتابي الثاني ( سايكس داعش بيكو) وهو فصلان الفصل الأول مقالات عن داعش والفصل الثاني عن الإمام الحسين عليه السلام وكيف انتصر على داعش ومرغ انوفهم بالتراب ووارى جثامينهم وذكرهم إلى يوم القيامة..
أما كتابي الثالث فهو نصوص نثرية ( اعتقال الهزيمة) ولاني لا احب شعريتي فقد كتبت اَخر مقطع من الكتاب بقولي :
قال : قيمة المرأ ما يُحُسنهُ
قلتٌ لن اكتب شعراً ابدا
لكني في اول مقطع من مجموعتي
قلت :
إلا أيها الكرسي تباً
هذه ( تفُ) إليك
اشبعتنا مكراً وقتلاً
لعنة الله عليك
ولكني احب مقطع كتبته في حق الإمام الكاظم(ع)
في مجموعتي اعتقال الهزيمة
ياكاظم الغيظ
سلاماً وبكاءاً
وعذراً في الخطاب
فالذي كان يدعو فيك وصلاً
صار مكراً وضباب
تركوك وراء جيوبهم
ولاذوا خلف هارون جديد
وعلى جسر خضراء الرزايا
تجمعوا وخانوا ومالوا
فاضافوا للحسين طَفاً
وزادوك قيود
أما كتابي الرابع ( ضحكلوجيا) فهو الأقرب الى نفسي الإمارة بالحب والعطاء والدعفسة ، فهو خلاصة تجربتي في السخرية ..
يبدأ بمقالة .. علاج الجلطة السياسية ، وانتخبوني فعسى ان تكرهوا شيئا .. والاقرباء اولى بالتعيين ، والعملية نجحت ولكن المريض توفي .. متى تهتز الشوارب؟ وعلي وعمر وكاكه حمه وحب العراق .. والقناعة والطركَاعة ..
والغمامية كوفيد مستبد..وانا اهنبل اذن انا موجود .. والنفط للذيب والغاز للواوي…. وغيرها من المقالات…
* اين تجد نفسك بعد عشر سنوات في مجال التأليف والكتابة ؟
– انا كما يقول الشاعر مظفر النواب
لا شيء
سوى الريح
وحبات من الثلج
على القلب
وحزن كأسواق العراق
وقال ايضا :
من انت؟ وما قصة روحك
وماذا في الدنيا المألوفة والايام
انا ..
تاخذني اللعثمة الحلوة
قلبي كالعشبة قدام المنجل
قدمي حزن الاسفار عليها ليس يجف
روحي خائفة خوفاً مرتفعاً
وحزب (….) يطاردني
اين اجد نفسي ؟ يسعدني ان تمتص مقالتي حزن من يقراني وازرع في وجهه ابتسامة نكاية بالخراب ، ويفرحني ضحك من يقرأني لانه يعطيني إشارة بأني موجود وفعَال وكتاباتي علاج للاحزان المزمنةوالموت البطيىء ..
أجد نفسي عندما يسألني قُراَئي : هل كتبت عن الكهرماء الوطنية مثلا او ثقافة المولدات أو اي ظاهرة تستجد وما أكثرها في بلدنا الحبيب ؟ أو يطالبونني ان اكتب عن كره أمريكا للصين وحبها للفوضى واسرائيل ..
أجد نفسي عندما اقول كلمتي واغير نفسي اولاً ولا اتفرج كما يتفرج الجاهلون المصابون بداء النقد للاَخرين وهم غارقون بالرذائل ..
أجد نفسي عندما ازرع في نفس المتلقي الأمل بعد الاستهانة بالفاسدين والمخربين فانهم كالزبد يذهب جفاء اما ما ينفع العراقيين فانه باق ان شاء الله ولن يذهب جفاء ، ولقد راينا العراقيين النبلاء شيعة وسنة وجميع الديانات والمذاهب وعرب وكرد وتركمان وهم يتسابقون في خدمة سيد شباب اهل الجنة في اربعينيته بعد ان اجتمع اكثر من عشرين مليون زائر ، وقبلها مرغوا انوف الدواعش أحفاد جيش يزيد بن معاوية البغدادي وانتصروا عليهم بلبيك ياحسين بالرغم من قلة العدد وخذلان الناصر ..
* كيف تتعامل مع الفكرة وتحويلها الى موضوع يستحق الكتابة ؟
– موضوع المقالة الصحفية المهنية هو خبر عندما يتحول إلى ظاهرة تمشي في الشارع وفيها ما يُخيف الناس ، موضوع المقالة البحث عن المخبأ بما يقوله فلان وبما يريده علَان وهما يضمران الشر بين ما يقولون وبين الحقيقة ..
موضوع المقالة التنبيه لخطر يُهدد الوطن والمواطن من اصحاب الكراسي الذين نسوا أنفسهم بعدما نسوا الله سبحانه وتعالى الذي يقول( سنكتب ما قدموا واَثارهم)..
موضوع المقالة علاج حقيقي وليس افتراضي للأمراض المزمنة في حب الأنا والدولار والشهرة والمال البغيض..
موضوع المقال موقف للضمائر الحية وقول الحقيقة التي ستبعدهم من السلطان وتقربهم من الإنسان وحسبهم هذا .. موضوع المقالة ما تسمعه أم صبحي وهي جالسة في الكية من كلمات ليس فيها تكلف أو اضمار وعلى الهواء مباشرة ..( ومن رضا بعمل قوم فهو مثلهم ).. وانا ( والحمد لله) على كلمة اَني اتكلم عن الظواهر ولا اتكلم عن الأشخاص، لأن الأشخاص يرحلون ولكن الظواهر تبقى وتنموا وتنجب اجيالا وخراب.. والقادم افضل بإذن الله. ….
* ماهي المعوقات التي تجدها في حياة الكاتب والمؤلف العراقي ؟
– الكتابة ملكة انسانية مثل الاخلاق فهي تفعل فعلها بلا روية لانها كيفيات نفسانية بطيئة الزوال ، هي إدمان على قول الحقيقة مهما كان الثمن ، فالكلمة عهد بين الكاتب وقرائه ، فعندما يجد الجد فلا اعتبار إلا للحق والصدق مهما كان الثمن ..
فليس هناك معوقات اذا ما تلبس الكاتب بالكتابة واصبحت حياته وضميره ومنصته التي يقول فيها تملي عليه مبادئه وثقافته ونفسه التي بين جنبيه ..
نعم فإن الحافز والدافع هما وسائل للتواصل والاستمرار ، وأن اللاجدوى احيانا تقتل الكاتب وتعمي عينه وتدمي روحه لانه هو يريد من الآخرين كما يريد من نفسه ان تتحول الكلمة إلى موقف مؤثر من شأنه التغيير والاصلاح .. ( )
* ماهو المؤثر بالنسبة لسلسلة مؤلفاتك وايهم الاقرب لك … بمن تأثر الكاتب حامد الحمراني من الكتاب الاعلام ؟
– نحن نعيش اجتماعيا في أزمة، ازمة ثقافة الحوار ، وازمة ثقافة الاقناع ، وازمة ثقافة التوصيل..
فالبلد محتل ، والثروات هائلة لكنها غير مسيطر عليها، والولاء ولاءات لا يُحب العراق إلا القليل ، وأما أكثرهم فالمال أقرب إليه من أي شيء ، وتلك ثيمة من شانها ان تجعل الكاتب لا يهدىء ولا ينام إلا أن يقول كلمته ، هذا الواقع تراكم من سنين فهو المحرك للكتابة ، أما تاثيرات الكُتَاب وبمن تأثرت فنحن جيل السبعينات عندما كانت اعمارنا ١٨ سنة كنا نقرأ كل شيء روايات عالمية وتنمية بشرية وشعر ونشاهد افلاما عالمية ومسرح إضافة إلى أن الصداقات من نفس الصنف فانها هاجس للتطوير والإبداع ..
لكني كنت مولعا بالكاتب المصري سلامة موسى وقرأت كل كتبه وبالشاعر مظفر النواب وحفظت كل قصائده …
* هناك مقولة وصفت بها كانت تقول الكاتب الساخط بدل الكاتب الساخر من قالها والمناسبة التي قيلت فيها ؟
– انه الاديب والمسرحي عبد السادة جبار الذي كتب في الصفحات الأخيرة من كتابي ضحكلوجيا مقالا بعنوان ( كاتب ساخط ..وليس ساخر )..الحمراني ( يرونكَ سايدهُ) بضحكلوجيا ..
حيث يقول: الحمراني كتب الشعر ليحقق الحلم لكنهُ وجد ان الواقع افرض من الحلم فاختار موسيقى السخرية بديلاً من موسيقى الشعر ولم يكن الحمراني ساخرا واقفا بمعزل عن القضايا التي يثيرها ينشد الإضحاك بل ساخطا مما يحصل ..
الحمراني يحَمل القارىء مسؤولية ولا يقصد التسلية عبر السخرية وصب اللوم واللائمة على الاَخرين إضافة إلى ذلك ستكون مقالاته ارشيفا لمرحلة تاريخية من حياة العراقيين وستتعرف الاجيال القادمة على مفارقة حياتنا السياسيةوالخدمية والاجتماعية من خلال الكوميديا الحمراني القاسية ..
أما السينريست احمد هاتف فانه كتب في الصفحة الأولى من( ضحكلوجيا)
حامد الحمراني ..رجل في الكتابة الساخرة
حيث يقول : الحمراني هذا الصحفي العتيد والشاعر المهمل قرر ان يفيق على ( مد لسانه الصغير بوجه العالم الكبير) ويحمل لافتته ويدور محتجا في طرقات ما نراه ونسكت عنه ..فيما نطالعه ولا نحتج عليه ..فيما نعيشه ويذبحنا ..إنه مزيج من فطنة حاذقة وجملة يغتسل بالفقه العميق للغة والألوان الطازجة لحياتها ونكهة إيقاع ثري ..حامد يختزل الشارع يختزل الاضطراب..
* ختاما ماذا يود الكاتب حامد الحمراني ان يضيف ؟
– كنت اتمنى ان يكون مسك الختام هو التكلم عن كتابي الجديد ( مدخل إلى السعاده) وهو عبارة عن مفاهيم منتخبة من التنمية البشرية والطريق إلى الله وهما عندي أفضل السبل للوصول إلى السعادة الحقيقية التي تبتدأ بضمان عدم الخوف والحزن بناءا على قول خالق الإنسان والسعادة ( ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، هذه السعادة التي تملي على الإنسان شروطا مقدوراً عليها ابتداءاً من معرفة النفس ومروراً بالتحلي بالفضائل وترك الرذائل واخيرا وليس اَخرا التحلي بالشخصية الانتقائية باختيار الصداقات والممارسات الاخلاقية والعطاء والتودد لخلق الله فانهم عيال الله إضافة إلى التركيز على التحلي بما تريده من الاَخرين ان يفعلوه والتودد والحب لعائلتك وجيرانك ومجتمعك..
والمعرفة راسمال السعادة فالعلم والمعرفة هما الخير كله وأما الجهل والحماقة فهما الشر كله ..
والفضيلة هي الوسط بالابتعاد عن مجموعة هائلة من الرذائل بما يُوصف بالافراط والتفريط ، فالشجاعة وسط بين التهور والجبن والحكمة وسط بين السفسطة والجهل والكرم وسط بين الإسراف والبخل وهكذا للصفات الخرى .
وكثير من المفاهيم التي ارجو من الله ان يوفقني لادراجها وتحفيز الناس للتحلي بها لانها ضمان السعادة والبعد عن الشقاء ( من ساء خلقه عذَب نفسه) ..
واخيرا شكرا لك لاختياري ضيفا على عملك ..وشكرا لتحملك دعافيسي وسخريتي ..وشكرا لك لأنك اهلا للشكر والامتنان ..