رياض العزاوي
بعد توارد الاخبار والانباء بان مجموعة خيرة من اهالي بغداد القديمة قرروا ان يصنعوا يوما للفرح والسعادة . فقد قرر علية القوم وكبراء وجهاء الاطراف والمحلات الشعبية المعروفة باصالتها وعراقة ابنائها النشامى كمحلة سيد سلطان علي والمناطق المجاورة لها كالعوينة والصدرية وباب الشيخ والمربعة وسراج الدين وفضوة عرب بمشاركة مجموعة طيبة خيرة من اهالي الفضل وقنبر علي والمهدية وابو سيفين وهبوا ( بفزعة ) رجل واحد
بعد ان تناهى الى سمعهم وابلغوا بان دار سينما حديثة عصرية ستفتح في محلتهم تكون شاهدا حضاريا على تقدم وازدهار بغداد وما ستبلغه من رقي حضاري تحاكي فيه الامم المتقدمة في الميدان الثقافي والتي تشكل السينما جزءا مهما فيه .
وما ان حمل لهم الاثير نبأ موعد حفل الافتتاح حتى حملوا على عاتقهم مسؤولية مهمة تزيين وتجميل واعادة هيبة الشارع العتيد الرشيد وواجهات المحال التجارية المحاذية للدار التي سيقع فيها الحدث الابرز واقامة الاحتفالية الموعودة .
الذي كان شاهدا ناطقا حيا عليها صيف العام 1952 . وهوالمعروف عند اهالي بغداد الاصلاء النجباء بالفصل الذي تبلغ فيه نسبة درجات الحرارة اعلى مستوياتها وخصوصا شهر تموز الذي يخلد فيه البغداديون للنوم في السراديب .
ووسط اجواء الترقب والفوضى وحالات الهرج والمرج التي سادت مكان الاحتفال اطل الباشا نوري سعيد وهو يرتدي بذلة ( سموكن ) انيقة بسحنته المشوبة بحمرة ووجهه الجاد المتجهم وجسمه المكتنز يعتمر السدارة الفيصلية البغداديـة . يتهادى في مشيتـه .
ووسط ذهول الناس واعجابهم بشخصية الرجل القوي الذي حكم العراق زمنا طويلا .
وحضورهم المبكر لاستقباله بمصاحبة الفرق الموسيقية الشعبية .
وانطلقت عاصفة من التصفيق والهتاف المدوي تحيي الباشا مع خروجه واطلالته على الجمهور المحتشد يحيط به الوفد المرافق له كأن الناس تشاهده لاول مرة بقامته الممشوقة المديدة وشخصيته الجذابة التي تأخذ بمجاميع القلوب والافئدة .
فهو احد المساهمين النشطين في تأسيس الجيش العراقي الباسل العام 1921 وهو الآن يشغل اعلى منصب في الدولة بوصفه رئيسا للوزراء في العهد الملكي .
وكان يتجاذب اطراف الحديث مع كبار مستشاريه واركان الدولة والسادة الوزراء والمسؤولين في الدولة والحكومة منهم عبد الوهاب مرجان الرجل الذي كان له الدور المشرف في بناء وتاسيس مستشفى الحلة العام .
والرجل الرائد في بناء العمارات الحديثة وعمارته ما زالت شاخصة في قلب بغداد ساحة التحرير تحمل اسمه كواحدة من معالم بغداد القديمة التي اصبحت تراثا لبغداد . بالاضافة الى حضور السادة صالح جبر احد رؤساء الوزراء السابقين وضياء جعفر وزير الاعمار وخليل كنه وزير المعارف وأعقب الموكب الوزاري السادة السفراء العرب والاجانب المعتمدين ببغداد .
وما ان وصل الباشا الى المكان المخصص له يرافقه السيد حبيب الملاك صاحب الدار وجلوس بقية المدعوين حتى اذن الباشا نوري سعيد بافتتاح صالة سينما الوطني الشتوي انطفأت الاضواء وبدأ المشغل عباس نمر في ادارة محركات العرض وشاهد الجمهور الفيلمين العربيين “انتصار الشباب ونور الشباب” بطولة فريد الاطرش وتم توزيع الفواكه والحلويات بين الحضور وكان السيد الملاك لا يهدأ له بال من اجل راحة المدعوين . وما ان انتهى العرض حتى ارتجل نوري سعيد كلمة اشاد فيها ببناء الصالة في بغداد واعتبرها واحدة من المظاهر الحضارية المهمة في البلد الذي يتطلع الى بناء نهضة شاملة في مختلف المجالات ومنها ميدان السينما الذي يعتبر مهما في تنشيط العملية الابداعية الثقافية التي يشهدها العراق في مختلف مناحي الحياة . وهذا ما نتطلع ونطمح اليه ونحن نقوم ببذل جهود استثنائية في اعمار وبناء البلد . بجهود ابنائه الغيارى المخلصين الذين كان لهم الدور المميز في المساهمة النشطة بتشييد هذه الصالة المخصصة للعرض السينمائي وهي تضاهي ارقى دور السينما في المنطقة.