ماجد أبو كلل
العراق ومنذ دمج الإيرادات النفطية في الموازنة العامة للدولة بعد الغاء مجلس الاعمار في زمن حكومة عبد الكريم قاسم تحول من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد ريعي يعتمد بشكل شبه كامل على النفط في تمويل الموازنة العامة للدولة، صاحب هذا الانتقال تحول الحكومة إلى اكبر رب عمل في الدولة، بحيث اصبح القطاع العام هو المسؤول الأول عن توفير الوظائف للعراقيين، صاحبت الوظيفة الحكومية امتيازات لا تتوفر للوظائف في القطاع الخاص، منها الاستقرار والاستمرارية والراتب التقاعدي والقروض وغيرها، بينما لا يحصل الموظف أو العامل في القطاع الخاص على مثل هذه الامتيازات، هذه السياسة العامة رسخت في اذهان العراقيين ان العمل في القطاع الخاص لا يعتبر وظيفة ثابتة لذلك انتشر بين الناس وحتى في دوائر الدولة تعريف للعراقي غير الموظف الحكومي عند ذكر المهنة وصف (اعمال حرة) وهو وصف يرتبط بعدم الاستقرار المهني والاقتصادي بينما وصف (موظف) يرتبط في الاذهان بالاستقرار المعيشي والاقتصادي.
اليوم ورغم النص في الدستور في المادة 25 على اصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة فان الواقع يقول ان الاقتصاد العراقي انزلق سنة بعد أخرى إلى فخ الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط، بنفس الوقت قامت الحكومات المتعاقبة بالتوسع في تحميل الموازنة العامة للدولة بأحمال مالية متزايدة نتيجة التوظيف غير المبرر، مما جعل العراق واحد من أكثر دول العالم في نسبة الموظفين بالمقارنة مع عدد السكان.
السؤال هنا، هل دور الحكومة هو توفير فرص عمل للباحثين عنها ام دورها تنظيم سوق العمل وتحفيز التنمية بحيث تتوفر فرص العمل في القطاع الخاص؟ الإجابة لا تحتاج إلى كثير من التفكير أو البحث، دور الحكومة هو التنظيم والتحفيز وليس الدخول في السوق العمل مباشرة بصفة مشغل اكبر، لكن الذي حصل ان الحكومة ولأسباب كثيرة منها سياسية ومنها اقتصادية فضلت ان تكون اكبر (رب عمل) بدل ان تكون جهة تنظيمية تضع السياسات والتشريعات وتراقب الاخرين في سوق العمل وتقيم مدى التزامهم بها.
لو ركزت الحكومة في وظيفتها التنظيمية والتنموية وبذلت جهودها في اصلاح الاقتصاد العراقي لما احتاجت إلى توظيف اعداد هائلة من الموظفين بلا جدوى اقتصادية لعملهم في القطاع الخاص، فهي بذلك ضيعت إمكانية مساهمة هؤلاء الأشخاص في تنمية الاقتصاد الوطني وفتحت الباب واسعا للضغط عليها وعلى الموازنة العامة من نصف مليون مواطن يدخل سوق العمل سنويا للبحث عن فرصة عمل.
الحل بيد الحكومة، وهو ان تخطط بشكل صحيح لتحفيز التنمية وليأخذ القطاع الخاص دوره الطبيعي في توفير فرص العمل للباحثين عنها وكما هو معروف فأن 70% من هذه الفرص تكمن في المشاريع الفردية أو الصغيرة والتي ترفد السوق بالخدمات المختلفة وبالسلع الغذائية (زراعية وحيوانية) والملابس وغيرها والتي تواجه منافسة شديدة وغير منصفة في كثير من الأحيان من السلع الأجنبية التي تغرق السوق العراقية.
كان وما زال من الأفضل للحكومة ان تدعم الباحثين عن العمل بمنح مالية مؤقتة مشروطة بتأهيلهم مهنيا بدل ان تعينهم في درجات وظيفية في القطاع العام مما يؤدي لخروجهم من سوق العمل والإنتاج نهائيا. سوف تواجه الحكومة ان عاجلا او اجلا مشكلة في توفير التمويل الضروري لرواتب الملايين من الموظفين والذين يستنزفون الموازنة العامة للدولة التي تعتمد على إيرادات بيع النفط الخام وهذا يجعل من الموازنة غير مستقرة ومرهونة لتقلبات أسعار سوق النفط العالمية.