عبد الرسول الاسدي
لمثلها تقام الإعياد فهي تستحق أن تكون عروس المدن وكيف لا وهي رفيقة الثائرين وخليلة العاشقين التي ترنم بحسنها الشعراء فاوقدوا على ضفاف الأنهار قوافل من نور تستقي من بهرجة دجلة ليستريح على أمواجها البوح . بغدادنا التي تسمو على الجراحات تنهض في كل مرة مثل طائر أنيق يستعيد معنى الألوان ويصدح بكرنفال التجدد وينطق بالإمتثال لسجع الوطن .
بغداد العراقية جدا التي تجمع في جدائلها كل زهو الجنوب والوسط والغرب والشرق في تلقائية فريدة لا يليق حسنها إلا بمدينة الألف ليلة وليلة التي يكفينا فخرا أن تكون لنا عاصمة فتعصمنا من أن نعشق غيرها أو نبخل بالغالي والنفيس دونها .
هي التي تطرزت بكل المفاخر فصدت قوافل المحتلين وإختالت في معمعة الحروب ترتدي أوشحة الإنتصار بعد أن تتكسر عندها نصال السيوف ورؤوس الرماح شامخة بزهو أبدي كأنها وجدت لتبقى وولدت لتنتصر .
لهذا السبب في يوم بغداد اتصور أن أفراح الكون كلها ستكون غير كافية لشرح تفاصيل الأغنيات التي تصدح بها ضمائر العاشقين لهذه المدينة التي تملك أنامل أمة لترسم وتكتب وتعيد عزف إنشاد الإنتماء الى حيث لا مكان سوى لأن نكون أقوياء وأصلاء ومتجذرون بطينة بغدادنا العراقية الجميلة .
لا أريد أن أستشهد ببيت شعر أو أغنية فقوافي الشعراء كلها تطرب حواسنا حين تأتي على ذكر الرصافة والكرخ والجسر والمها والطين والطير والعيون الكحيلة واضواء المساء وترنم الغيمات البيض وهي تراقص ظلال الراحلين الذين يعودون في كل مرة توقا الى لقاء حسناء الشرق ونبضها الملهم وعنوان أناقة إنسانها النابض بالحرية والغيرة والكرم والخلق الرفيع .
يوم بغداد السنوي فرصة لأن نثبت إعتزازنا وتمسكنا بأرضنا ووطننا وعاصمتنا الحبيبة ، هي فرصة لأن نقيم إحتفاليات في مناطق بغداد الشعبية وأن نحضر مواسم الثقافة في المتنبي ونلتقي في مقاه تفوح منها روائح الذكريات . هي فرصة لأن نوطد شراكة القلب مع شوارعنا بالزينة والنظافة وان نتحدث للآخرين عن حبنا لبغداد وضرورة أن نترجم هذا الحب سلوكا مفعما بالحب ومطرزا بالإنتماء الى سلوكيات تظهر عاصمتنا أجمل .