عبد الرسول زيارة الاسدي
مثل ملكة بابل إبنة نبوخذ نصر التي أوصت أن يكون قبرها فوق إحدى بوابات بابل ، محفوفة بالمنتصرين ومتربصة بالأعداء حتى بعد أن فارقت الحياة ، فنحن يطيب لنا في محطات الأعوام أن نتبختر تحت أشجار المنجزات لنستخرج ذلك الكم الكبير من العلياء الذي حفرناه بحضور أبوي خافر بالمحبة وزاخر بالود لجميع من حولنا من رفاق المسيرة الإعلامية البهية .
جامعون بين هذا وذاك نقف في منتصف الرحلة بين الأمس والغد في يوم عبقري الهمة تتبعثر فيه من حولنا تفاصيل شذرية لمقومات عالية من الألق نتشابه فيها مع مابعد الحداثويين أو المتأثرين بهم أمثال محمد أرغون ونصر حامد أبو زيد وعلي حرب وأودنيس في الإستناد لميراثنا الخصب ومبتعدين عنهم في الحفاظ على المكتسبات الأنيقة لمدخراتنا الفكرية دون إنحياز الى مبدأ الإنقلاب على الذات أو تطويع الأفكار لغير صالح المجتمع .
وربما لأننا نتسلح بالجرأة والشجاعة أحيانا في إستعراض المواقف والأحداث وتبيان غثها من سمينها يحاول البعض إطلاق سمة (الإعتدال ) علينا من باب الحكم بالموت السريري لأن المعتدلين اليوم قد يوضعون في خانة ( الأموات )
ولعلي أتذكر هنا تلك المقالة التي يسرد فيها أحد الكتاب حكاية طريفة تقول أن أحدهم راسله على الفيس بوك قائلا : إن المفكر الفلاني قد مات ، ثم أضاف لا أعرفه شخصيا ولم اقرأ له لكني كنت أعرف إنه معتدل .
إعتدالنا هو أن نكون مع الحقيقة دون زيف ثم ننحاز الى الطرف الوطني في تفصيلات مابعد الحدث والى الضمير الإنساني ..فيما بعد الوجع لهذا فمن النادر أن لا ترافقنا في رحلاتها المترادفة ضمادات الكلمات ومراهم المواقف التي نحتاج اليها كثيرا لترميم بعضا من أوجاع ضمائرنا الطافحة بالحياة .
ولعلي هنا أستعيد ذلك البيت الشعري الخالد للجواهري وهو يقول :
لثورة الفكر تاريخ يذكّرنا كم.. ألف ألف مسيح دونها صلبا
هذا البيت الذي أطرب طه حسين فطلب من الجواهري إعادة القاء القصيدة من جديد وهو يردد : أنت أشعر العرب
فما كان من الجواهري إلا أن قال لطه حسين : وأنت معري زماننا.
فالعمل الواقعي والمنجز الحقيقي هو ما يستحق الثناء على السن الناس والرضا في نفوس المحبين وليس الشعارات التي نرفعها على حين غفلة دون أن تستند الى حقائق واقعية صريحة .
فكل عام وكل أحبة الشرق بألف خير وعافية وسؤدد .