إلى صديقيّ الناقد الدكتور ناظم حمد السويداوي والشاعر الدكتور محمود شاكر الجنابي لروحيهما الرحمة والغفران،
شهقة قلم ودمعة روح :

الشاعر خلف الحديثي

ما سرتَ وحدكَ والرحيل توجّعُ
وطريق ذاتك وحشة تتمزّعُ

وخطوط ليلك ترجمَتْ نظراتها
ولها تطلّعَ شاعرٌ يترفّعُ

تهبُ الحروف كما تريد نقاءَها
يا أوّل الكلمات جئتكَ أسمعُ

جئنا محطّاتٍ ووحدك مَنْ مشى
تعبا لأبراج النهاية تسرعُ

يا آخرَ الكلماتِ صوتك متعبٌ
كيفَ الغيابُ ونجمُ حرفكَ يسطعُ

يا سيّدَ المعنى أراك كما أنا
صوتاً بهِ روح البيانِ يُطَوّعُ

كنّا تعانقنا وبحْتَ بشهقةٍ
(محمود) كان إلى جوارك يقبعُ

أنا متعب حدّ اختناق أضالعي
وأنا دوارٌ من أذاهُ أجرّعُ

هي لحظة كانتْ وسرْتُ وراءَها
ويداكَ كانت للجميع تودّعُ

ألموت كان على عيونك شاخصاً
وبهِ عيونكَ كالمدامعِ تلمعُ

وعلى الشفاهِ رؤى الحروفِ تكسّرتْ
وعلى ملامحِكَ البكا يتوزّعُ

وخرجْتَ فانفلتت مشاويرُ الضحى
ومشى وراءك في الطريقِ تصدّعُ

ما كنتَ وحدك كنتَ ألفَ حكاية
معطوبةٍ وبملءِ عينك مدمعُ

قمْ يا أخي حدّثْ لنسمعَ كلنا
ما كنتَ مِنْ صورِ البلاغة تبدعُ

قمْ يا أخي فالأقربون تجمّعوا
وهنا أرى الأحبابَ عندكَ قد دُعوا

قمْ يا أخي فالشعرُ جفّ وريقهُ
والحبّ ماتَ ومنْ عروقكَ ينبعُ

هلْ كانَ حبّاً أنْ تغادرَ منْ هُنا
وتسيرَ وحدكَ والخُطا تتمنّعُ

هلْ أنتَ ذاكَ الأنتَ يا ابن مجامري
في طينِ روحك للمآثرِ تزرعُ

ومشيتَ وحدك نحو مسقط قمّةٍ
منها خرجْتَ بها النّهاية تمرعُ

كلّ (الذي قد كانَ) أنك لم تزلْ
عندي وأنكَ في جذوري تطلعُ

يا (مسقط القلب) الذي نبضاته
قالت ونحن لنبضِها نتسمّعُ

(لا شيءَ يشبهُ) ما تقولُ وإنما
كانت هناك لكَ الرواية تطبعُ

وبغير أشرعة نصوصك ودّعت
همساتُ ريحكَ بيننا تتوزّعُ

أنا لمْ أصدّقْ حين رنّ بلهفة
جوّالُ روحي للنبا يتسمّعُ

كذّبتُ أذني أيّ نبرة حرقةٍ
فاضت وفزّزني الصدى المتسرّعُ

كذّبْ عليّ أيا صديقي مرّة
قلها ولو كذباً لعلّي أقنعُ

أرثيكَ تحترقُ الحروفُ على يدي
ومجامرُ الآهات ناراً تلسعُ

أتموتُ لا أدري وأنت مُحدّثي
في كل صبح مَنْ تراهُ سيطلعُ

أرثيكَ في أيّ الحروف قصيدتي
عرجا وأنتَ نعيمُ روحكِ بلقعُ

أرثيك يا أرضاً زرعناها هوىً
وبها قوانينُ المحبّة تمرعُ

للعبقريةِ روحُهُ تُهدي المنى
بالبحثِ يبقى شارداً لا يهجعُ

يا صاحبي تعبَ البكاءُ وغُصّتي
تعبَتْ وغيرُكَ لا يفيدُ وينفعُ

يا كلّ ذاكرتي أحسّكَ في دمي
تمشي وصوتكَ في دمائي يُودّعُ

فاعكسْ كما تهوى للونكَ صورة
تبقى إلى مُدنِ العُلا تتطلعُ

يا (بكرُ) ظلّ كما أريدُ سحابة
فأبوكَ عطرٌ في الورى يتضوّعُ

(أنبارُ) يا وجهَ الحياة حزينة
لغتي وقلبي صرخة تتقطّعُ