بقلم / غازي احمد ابو طيخ
الشاعر في هذا النص المهم يخلق بجدارة مرآةً صافية لواقع الحياة في جغرافية مدينة عراقية باذخة كسامراء المكللة بغار التاريخ..ولكن هذه القصيدة لاتقف عند حدود هذه المدينة المقدسة،وإنما تتمدد لتشمل العراق كله من القوش حتى الفاو..ذلك لأنّ الشاعر الأصيل ينطلق من محليته باتجاه الآفق الواسع،وهذا ما اشار إليه أرنست فيشر بكل وضوح.. أما الحديث عن تدوير بحر المتقارب بمثل هذا الإسلوب الوصفي الحاكي ،بحيث لا يقف الشاعر على سكون إلا لالتقاط الانفاس،من دون ان يُحدِثَ أدنى فجوة إيقاعية،شريطة إجادتنا للقراءة السليمة التي تأخذ بعين الإعتبار اصوات الحركات الإعرابية التي تدخل ضمنياً في سياق المدور الموسيقي العام للنص..ولكم كان انضباط ونضج هذا اللون من التدوير في قصيدة التفعيلة الحرة مدهشاً،بل مثاراً للإعجاب،ولايجيد ذلك النسق بهذه الدقة التلقائية إلّا ثلة نادرة..
كما وتجدر الإشارة إلى هذه الملكة المحكمة في مقاربة اليومي الذي يلامس اعماق الإنسانية الطيبة في كل مكان..
وهي في الواقع رسالة دعوية حضارية سلمية ميسرة،لمن يسيطر على مقاليد الأمور من أجل أن يلتفت إلى هذا المشهد التراجيدي الذي يختصر الكثير..عساه يعالج بحنكة المسؤول النبيل ما افسده الدهر..
الوَحل
تلالٌ من الوحلِ
حولَ البيوت
وحولَ المدارس
في واجهاتِ الدكاكين
في واجهاتِ المخابز
باتَ يغطّي الشوارعَ
يفترشُ الأرضَ بين الأزقَّةِ
يقفزُ فوقَ صداري البناتِ
يرشُّ الحقائبَ من طينِهِ
وصغارُ التلاميذِ
تحفظُ تحضيرَها
غيرَ أنَّ مسيرهمُ غائصينَ بوحلِ
إلى المدرسة
ينَسِّيهمُ كلَّ ما حفظوا
وَتعَكِّر ُأحلامَهمْ بُقعٌ
في سراويلِهم
ورذاذٌ بقمصانِهم
تلالٌ من الوحلٍ في الذاكرة
مَسَختْ ( سُرَّمرا ) وأحياءَها
مَسختْها الحُفر
وغابتْ حِسانُ ملامِحها مثلما
كانَ يجلو لها الغيثُ
وجهاً جميلاً
إذا ما علاها الغبار