عبد الرسول الاسدي
نفحة من عطر البنفسج إنتشت لها غرف مؤسستنا وذاع صيتها بين أنفسنا التي تشتاق الى كاميران …شهيدنا الذي أضعناه في تزاحم الإرادات …في زمن الخوف والفوضى …وحيث لم يجد له محلا في كل تلك المتاهة ..فقد إختار السماوات لتكون عشا لسعادته الأبدية ..لم تذبل زهور البنفسج يا صديقنا …فعبيرها مازال يتيه بيننا رغم عواصف البارود والتراب في بلاد لم تسلم قدرها لضباع الموت وأفاعي الفوضى ..في بلد دفع بخيرة أبنائه شهداء على طريق المجد من أجل أن لا يتحول الى قطعة خردة مفككة تضيع في حقائب المهربين .
لا يمكن أن تحيط الأوصاف مهما كانت بلاغتها بتلك العلاقة التي ربطتنا بالصديق الشهيد ..فهي أشبه بحبل سري يغذي فينا الحياة والحلم فتتراكض حواسنا نحو قارع لجرس الذكرى يعيد تخطيط الطريق الذي إخترناه من أجل أن نكون …ولا شيء آخر ..وكان الشهيد في المقدمة …إختار أن لا يكون بيننا ..ليكون موجودا أبدا ..بين كل الشرفاء .إختار أن يكون فقيدنا الدائم الذي يحضرنا بروحه وابداعه وإرثه الوطني كلما ضاقت بنا مساحات الإختيار ..وباعدت بيننا وبين نهجه السامي تلك الإنشغالات اليومية ..
عهدا أننا لم ولن نتغير …ثابتون مثلما عرفتنا …منتحلون لورعك وصدقك وشخصك وهيبتك .فخورون أنك لم تمت كما أرادوا …بل خلدت نفسك في جدارية الوطن شهيدا من عطر وذكريات من إنتشاء وسرمدية لحلم لم يغادر حدائق أرواحنا المتسيجة بصمودك وقوتك ..
هم من قتلوا أنفسهم فضاعوا حين خلدوك وقتلوا نفوسهم حين قتلوك ..فعليهم لعنة الله والتاريخ والإنسانية ولك الخلود والمجد والفخر دائما وأبداً لأبنائك وعائلتك التي نعيش معها مرارة الذكرى فنتذوق سعادة أن تكون ملهما لهم معاني الأباء والشمم وأن تحضر بينهم في كل المنعطفات والدروب وتظللهم بروحك المسفوحة ظلما .
هنيئا لنا أن يخيم علينا اليوم ونحن نستذكرك حزن عجيب حزن سعيد …فمن رحل ليبقى لم يرحل أبدا ..ومن فاز بالمعالي والكبرياء لم يخسر شيئا ..ومن بكيناه ونحن نحسده على تلك النهاية التي اختارها بمواقفه الوطنية لم نبكه في الحقيقة .بل حفرناه حرفا مقاوما في قلوبنا يقول ما قاله من سبقوه :
إنني عدت من الموت لأحيا , لأغني
فدعيني أستعر صوتي من جرح توهَّج
وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج
إنني مندوب جرح لا يساوم
علمتني ضربة الجلاّد أن أمشي على جرحي وأمشي..ثم أمشي..
وأُقاوم !