عمر البرزنجي
صرخةٌ مدويةٌ ضربت الآفاق، وامتد صداها ليصل للعالم أجمع عبر الأزمان والتاريخ، فكانت مثالًا للشهيد المقتول المخضب بالدماء وهو يعلنُ فوزه، بل يُقسم على ذلك، فليس الفوزُ فوزَ الدنيا، ولا هو البقاءُ في المنصب أو الجاه أو المكانة بل هو بقاء النهج والفكرة حتى تقوم الساعة.
هو عليّ ..
عليُّ العُلا ..
عليُّ التُقى ..
عليُّ الهُدى ..
عليُّ الذي ملأت سيرتهُ الآفاق، واقتدى به العالمون من كلِ جنسٍ ولون، في مشارق الأرض ومغاربها، حتى صار عنوانًا للفداء، ورمزًا لكل حاكم، ومثالًا لكل مؤمن، ومزارًا لكل قاصد ..
لم يكن عليٌّ حبيبَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإبن عمهِ، وزوج بضعتهِ فاطمة الزهراء، وأبا سبطيهِ (الحسن والحسين) سيدا شباب أهل الجنة فحسب، بل كان أول من آمن به وصدقهُ وآزرهُ ونصرهُ، بل كان فدائي الإسلام الأول، إذ افتدى إبن عمهِ، ونام في فراشهِ، حين أراد مشركو قريش قتل نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم).
كان لا بدّ لعليٍّ أن يستشهد، كان لا بدَّ للحق في أعلى صورهِ أن يسمو شهيدًا بيد الباطل في أدنى حالاتهِ على يد الخارجي المارق إبن ملجم، إذ أن الباطل كان ولا يزال وسيبقى نقيضًا للحق كارهًا لهُ ساعيًا لإزالتهِ، فهذه سنةُ الله الكونية في حرب الخير مع الشر والحق مع الباطل والضياء مع الظلام.
جاءت طعنةُ إبن ملجم لتُعلن للبشريّة إستشهاد عليّ، وهو في محراب رسول الله، في صلاتهِ لربه، في شهر الصوم.
أبت تلك الطعنة إلا أن تجيء في وقت الصلاة، وقت الصوم، لترتقي روح أمير المؤمنين إلى بارئها بعد ذلك بأيامٍ قلائل، فإجتمعت خير العبادات الصلاة، والصوم لإستشهاد خير البشر بعد رسول الله.
ما كان نهجُ عليّ؟ ما كانت طريقتهُ؟ كيف كانت نظرتهُ للأمة؟ إجابة ذلك واضحةٌ لا تحتاج إلى عميق تفكير، فقد كان نهجه القرآن وطريقتهُ سنةُ حبيبه رسول الله، أما نظرتهُ وسلوكياتهُ في حكم الأمة فقد كانت، بلا شك، توحيد أمة محمد على كلمةٍ سواء، كلمة الحق والعدل والصفح والتسامح والمحبة، كلمة التوحيد والإحسان، كلمة إغاثة الملهوف وإجارة المستغيث.
لا حزنَ على عليّ، إن لم يكن هذا الحزن مرتبطًا بالسير على نهجه وإتباع طريقته والإقتداء بهديه ..
لا حزنَ على عليّ في ذكرى إستشهاده إلا بأن نوحد الصف والكلمة ونلملم شتات الناس والأمة.
ولم تكن مصادفةً أن حبا الله أرض العراق المباركة لتكون مرقدًا لعليّ وأبنائهِ (عليهم السلام جميعًا)، فلعل ذلك يذكرنا كيف علينا أن نكون كلنا كعليّ، شجاعةً وصلاحًا وعفةَ يدٍ وطهارةَ لسان، وأن نتوحد جميعًا تحت رايته.
السلام على عليٍّ في الأولين والآخرين ..
السلام على عليٍّ في الشهداء والصالحين ..
السلام على عليٍّ في ذكرى مقتله إلى يوم الدين ..
السلام عليك يا جدي عليّ ..