أ.د.رياض خليل التميمي
يعرف علم اللغة الجنائي (علم لغة التحريات) انه العلم الذي يعنى بتطبيق نظريات علم اللغة (Linguistics) على القضايا الجنائية من اجل المساعدة في نفي او اثبات الادلة الجنائبة ويضيف العالم اللغوي (Asher 1994) بان اللسانيات الجنائية(Forensic Linguistics ) هي فرع من فروع علم اللغة التطبيقي وهو علم يقوم على دراسة وتحليل وقياس البينات اللغوية المصاحبة لوقوع الجريمة بهدف تحديد هوية الجاني او المتهم.
ومن ذلك نستنتج بانه العلم القائم على دراسة النصوص التحريرية والشفهية ذات الصلة بالجرائم والخلافات القانونية او المسائل المتعلقة باجراءات التقاضي او مايتعلق بلغة القانون ومدى وضوحها وكيفية اصلاحها وجعلها متاحة لفهم الاشخاص العاديين والمتخصصين على حد سواء.
لقد ظهرت عبارة اللسانيات الجنائية لاول مرة عام 1968 عندما استخدمها (جان سفارتفيك) استاذ اللسانيات التطبيقية في تصريحات ايفانز «حالة من اللسانيات الجنائية» في اعادة التحليل تصريحات (تيموثي جونز ايفانز) حيث كان الامر يتعلق باعادة تحليل الاقوال التي اعطيت للشرطة في مركز شرطة (نوتبينك هيل) في انكلترا عام 1949 في قضية القتل المزعوم من قبل (ايفانز) حيث كان ايفانز متهماً بقتل زوجته وطفله وحوكم وشنق على الجريمة, ومع ذلك عندما درس سفارتفيك الاقوال المزعومة التي ادلى بها ايفانز وجد ان هناك علامات اسلوبية مختلفة متورطة, ولم يقدم ايفانز تصريحاته بالفعل لضباط الشرطة كما قيل في المحاكمة.
وهكذا قام العالم اللغوي(سفارتفيك) باجراء المراجعة اللغوية لتصريحات (ايفانز) وذلك عبر تحليل الافعال الاسنادية (Finite verbs) وهي تراكيب فعلية يكون الفاعل فيها ظاهراً او مستتراً وبالاعتماد على تأويل تركيبي (syntactic interpretation) لمجموعة من التراكيب الواردة في نصوص التصريحات ومنها: جملة صلة الموصول (Relative Clause) والجمل التي تكثر فيها ادوات الربط وحروف العطف فضلاً عن الجمل الفعلية حيث يكون المسند اليه مستتراً ومرتبطاً بتركيب فعلي اخر ورد في تصريح معين من التصريحات المعلنة, تبين ان جمل التصريح الاساسي يكثر فيها استخدام ادوات الربط وحروف العطف مع ابقاء المسند اليه مستتراً وكأن (ايفانز) كان يحاول اخفاء الفاعل الحقيقي المسؤول عن تلك الجرائم. ويعد استجواب (جون كرستي) وهو جار (ايفانز) تمكن هذا الاخير من خداع المحكمة مقدماً دلائل حاسمة تؤكد ان (ايفانز) هو القاتل, وفي الواقع, كان (كرستي) صاحب سجل اجرامي طويل وخطير, اذ اقدم على قتل ستة نساء بما في ذلك زوجته وبعد اكتشاف المحكمة الحقيقة واصدار الاعدام بحقه اعترف بقتل السيدة (ايفانز) وقد جاء تصريحه بعد تحليله لسانياً مختلفاً تماماً عن تصريح (ايفانز) الذي فشل يومها باقناع المحكمة بأن جاره هو القاتل الحقيقي.
ان هذه القضية اثارت تركيز علماء اللغة الشرعيون في وقت مبكر في المملكة المتحدة على التشكيك في صحة استجوابات الشرطة مما دعى الى استحداث قسم خدمات العلوم الجنائية الذي يمثل قسماً اساسياً في وزارة الداخلية البريطانية لتوفير معلومات دقيقة لمساعدة رجال الشرطة والقانون لاصدار احكامهم من خلال فحص البيانات اللغوية والصوتية مختبرياً.
وفي السنوات الاخيرة حاز هذا العلم على اعتراف الدوائر العدلية في كثير من البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة الامريكية, استراليا, المانيا, النمسا, المجر والسويد حيث تم انشاء المختبرات اللغوية الجنائية لفحص البيانات الصوتية وتحليلها لاثبات صحة نسبها للمتهم او نفيها عنه. اما استخدامات هذا العلم فيمكن تلخيصها في المجالات الاتية:
– لغة النصوص القانونية من خلال مراجعة الوثائق المتنوعة الصادرة عن هيئات قانونية كدساتير الدول والاحكام الشرعية والوصايا الخاصة واحكام المحكمة والقوانين الصادرة من الدوائر الحكومية
– المكالمات الطارئة يعد هذا المجال ميدان لقدرة المتخصص على اكتشاف الاحداث التي يمر بها المتكلم من خلال نبرة الصوت ونغمته وتكرار بعض الكلمات التي تدل على حالات معينة مثل: التهديد.
– طلبات الفدية او الرسائل المشبوهة حيث يعد التهديد الاسلوب الذي يرافق طلب الفدية وفي القضايا التي لايوجد فيها مشتبه بهم فان فحص الادلة اللغوية يكشف عن معلومات اثنيه- دينية او اجتماعية محتملة من الشخص المهدد.
– الرسائل الانتحارية وهي غالباً ماتكون قصيرة ومختصرة (اقل من 300 كلمة) وتتميز هذه الرسائل بالوضوح والدقة.
– تصريحات المحكوم عليهم بالاعدام وهي غالباً مايعترفون بها بالجريمة مما يترك انطباع الامانة لدى المستجوب او انكارها مما يترك انطباع البراءة او يتهمون الشهود بالكذب.
– اثبات هوية المتحدث وهو الاكثر شهرة واستخداماً في النزاعات الجنائية والمدنية حيث تستخدم نظريات وتطبيقات علم الاصوات الجنائي للتعرف على هوية الشخص من خلال البصمة الصوتية باستعمال جهاز التحليل الصوتي.
– تحقيق هوية المؤلف ويتم ذلك من خلال مقارنة نماذج وعينات من نصوص تكون معلوم صحة نسبها للشخص المتهم مع النص موضوع التساؤل لاكتشاف التحايل والسرقات للنتاجات الادبية والعلمية.
– استرجاع وتحليل البيانات الرقمية المتداولة من خلال الشبكات الالكترونية واجهزة الهاتف النقال والتي تشكل تهديد للامن السيبراني.