نازك مسوح
أَوَليسَ بحقّ مهرجانُ الطفولةْ؟
أصواتُ حناجرَ تشقُّ عبابَ السّماءْ، تلوِّنُ الحياةَ بألوانٍ أينَ منها ألوانُ قوسِ قزحْ!
فراشاتٌ وعصافيرُتعانقُ نسماتِ الرَّبيعْ، وتلثُمُ ثغورَ الأزاهيرْ،
لتفيضَ أكمامُها عطراً دفَّاقاً وندى.
ضحكاتٌ تعلو وتخبُو ، فتضخُّ في عروقِ الصَّباحِ دماً طازَجاً نقيّاً، واللَّعبُ اللَّعبُ قطارُنا الجميلْ، يحمِلُنا على أجنحةِ السَّعادةْ،
ما أروعَ مرحَ الطُّفولةِ وعبثَها بعيداً عن همومِ الحياةْ!
حينَها لم أكنْ قد تجاوَزتُ العاشرةَ من عمرِي، عندما راحَتْ عينانِ كعَيني الصَّقرِ تنهشانِ جسدِي الغضّْ، ويدٌ متحطِّبةٌ تمسكُ بذراعي الناعمةْ، وصوتٌ أجشّ ينتَهرُني:
ماذا تفعلينَ بينَ هؤلاءِ الأطفالِ الصِّغارْ؟
أَتخجلينَ من اللَّعبِ معهم وأنتِ صبيَّةْ؟
اذهبي وساعِدي أمَّكِ في أعمالِ المنزلْ.
ماشفعَت لي براءةُ وجهِي، وحتى جسدِي النَّحيل الخالي من أبسطِ علائِمِ النُّضوجْ، فقطْ طولي المُميَّزُ عن أقرانِي لفتَ انتباهَ تلكَ العجوزِ الشَّمطاءْ،فقذَفتْني بحمَمِ حقدِها وجهلِها.لم أدرِكْ وقتَها أنّ تلكَ اليدَ القاسيةَ لم تخرِجني من حلقَةِ اللَّعبِ فقطْ، بل سرَقتنِي من ملاعبِ الطُّفولةِ باكراْ،واغتصَبتْ فرحةَ اللَّعبِ من قلبِيَ البريءْ..ثمَّ لم أعلمْ أنَّ هذا الصوتَ القاسِي سيبقى يعصِفُ في ذاكِرتي ووِجداني ما حيِيتْ.