د.سامي هاشم آل خبالة الحسناوي
منذ قرون خلت كان العراق دائما بحاجة إلى العشائر الكريمة التي عاشت على أرضه وتفيأت بنعمته، لكي تلعب دورا وطنيا فيما بينها أولا، وبينها وبين السُلطة الحاكمة التي تعاقبت على حُكمه على مر السنين ثانيا، وقد برز دور هذه العشائر الكريمة مؤخرا ليأخذ شكل الأهمية القصوى في زمن الإحتلال الأمريكي للعراق 2003 وحتى الآن، حيث لا زالت الحكومة العراقية الحالية توجه النداءات وبشكل يومي تقريبا للعشائر العراقية، بأن تجنح للسِلم في حال حدوث خصومات بسبب هذا المُشكل أو ذاك، ومنها مشاكل الفصل العشائري لا سيما منها المُستعصية الحل ..
في سِياق هذا المعنى، أود أن أثني بجميل الكلام، وبأسمى آيات الود والإحترام (لإمارة بني حسن)، ومنهم على وجه التحديد (آل جميل)، شيوخا كِبار ووجهاء وأبناء بررة وأوفياء، وأنا أرى بأم عيني وأسمع بملئ أذنيَّ حين عقدوا ديوان الإمارة بمحافظة كربلاء المُقدسة أمس الاول، لفض نزاع حصل مع (عشيرة عبادة) الكريمة على خلفية حادث دهس غير مُتعمد إقترفه أحد أبناء هذه العشيرة بحق إبن (الشيخ علي ابوصفرة) أحد شيوخ (آل جميل) المنضوية تحت لواء (إمارة بني حسن)، حين أعلن هذا الشيخ الجليل على حشد الديوان الذي حضره كِبار العشائر العراقية من (بني تميم، والمسعود، وآل بوغانم، واليسار)، ورجال دين أفاضل، ووجهاء أجلاء، وأساتذة جامعات، ونُخب سياسية، ومثقفين، أنه قرر التنازل عن تلقي (دية فصل إبنه) رحمه الله إكراما لآل بيت النبوة، وللقاصدين ديوان الإمارة، بل راح يشكرهم على حضورهم ويثمن لهم تحمل عناء السفر ..
أي عنفوان هذا، وأي موقف، وأي شموخ، ولا غرابة في ذلك فإمارة (بني حسن) و(آل جميل) ترتبط بعلاقات دم ونسب ومصاهرة مع معظم العشائر العراقية الكريمة ومكونات النسيج السكاني الآخر على امتداد ربوع العراق، وبتماسكها الوحدوي الذي تمتاز به (الإمارة) و(آل جميل) على الأقل في محافظة كربلاء المقدسة، وأنا شخصيا ابن إمارة بني حسن وعندما أتحدث من هذا الموقف اكون فخورا فأقول :
ما بين العشيرة والفرد والفرد العراقي، تاريخ ووجود، ومابين الفرد والعشيرة انتساب وصلة . ولان العشيرة هي الاصل… فان الفرد الذي يؤلف العشيرة لا تسير خطاه الا باتجاه هذا التكوين الذي جبل عليه
( وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم )
العشائر قطار وعرباته تتصل ببعضها لتكون الوطن الذي يتجه نحو الحياة.. جميعنا ننتمي اليها.. ويحن تمتد أيدينا في الاتجاهات الأربع نجد انها تتصل بعشيرة أخرى وصلة رحم ونسبا وانتماء..
ومهما كان التطور في تفاصيل الحياة تبقى العشيرة سراج الفرد تنير له طريق المروءة والعادات والتقاليد الأصيلة ..
في مضايف اهلنا، نجلس في التاريخ نقرأ كتاب المعرفة، وفي هذه المضايف تجد الكرم الذي تفوح منه رائحة القهوة و تشعر ان ثمة نسمة لا ترطب الوجه بل تدور في الجسد كسريان الدم فيتنفس الجميع سر الوجود والحكمة..
ومنذ أن إنعقد (ديوان إمارة بني حسن) وحتى يومنا هذا، قادني شعور غريب إستحوذ عليه إعجابي برجال الإمارة، وبذلك الشيخ الكريم (علي ابو صفرة) وموقفه النبيل والمُشرف بل وحتى بمكان الديوان وبالناس التي أتت من أجل (دية الفصل) ..
مرحى (للإمارة) و(آل جميل) ورجالاتها الذين سكبوا أجمل المعاني في وجدان الناس وضمائرهم حين تكللوا بحب شمائلهم بلا منة وهم، بنثرون حُبهم إذا ما ثقلت حمولة غيرهم، وليس هذا فحسب، بل أن (عُكلهم)، لم تتحرك قيد شعرة عن رؤوسهم، ولم تمل يمنة أو يسرة ..
هؤلاء هم (بني حسن) قوم تفيض قلوبهم بالمحبة والعطاء حين وقعوا بطاقة (دية فصل طايح) مُذيلة بعبارة : (ما يصير إلا خاطركم طيب) .. وهم في هذا الحال نثروا حُبهم على إمتداد الديوان ليطال كل العراق إن شاء الله، وهي خطوة مُباركة نتمنى من عشائر العراق الكريمة في ربوع البلد كافة أن يحذون حذو خطوة (بني حسن)، وأن لا يتشددوا بالفصول ولا يتنازعوا بما هو غير حق، حتى يستقر البلد ويرتكز على أسس وطنية، وليستقر السِلم الوطني والأمن المُجتمعي، تماما كما اعلنها (الشيخ ابوصفرة) بنفسه ..
ومن المُفيد، أن نذكر هنا، أنه سبق وأن حصل موقف مُماثل قبل ثلاثة سنوات للدكتور الشيخ عبدالحسن آل جواد آل حبيب، وهو أكاديمي، وأحد شيوخ (إمارة بني حسن)، عندما تعرض إبنه لإعتداء، وجاء لمقر الإمارة في منطقة الحيدرية عدد كبير من شيوخ عشائر العراق، فتنازل عن الفصل العشائري إكراما لرموز العراق من مشايخ وسادات ..
هذه هي صورة مُشرقة إنفردت بها (إمارة بني حسن) وقبائلها المتوزعة في مدن الفرات الأوسط ..