مقالات وقراءات ودراسات في النقد الأدبي-
للشاعر الناقد / هشام شوقي أمين.

من المعروف أن أدب كل أمة من الأمم هو مجدها وفخارها، وعنوان مناقبها، وصورة من واقعها، كما أن أساليب الناس تحمل كثيراً من سماتهم، أو كأنها البصمات التي ينفرد بها كل منهم عن الآخر؛ ولأن ما يجري على الأفراد يجري على الأمم فقد حرصت كل أمة أن تجوِّد آدابها، وتنقِّي أساليبها حتى تبدو صورتها نقية، وملامحها قوية، ولا يستطيع أديب مهما كانت قدرته الخطابية، أو مهاراته الإبداعية أن يجود أدبه، أو يصقل أساليبه إلا إذا تمتع بحس مرهف، وذوق رفيع عال، منشؤه البلاغة العالية الباحثة عن مواضع الإجادة، ومواقع الاستحسان، لهذا كان علم النقد والبلاغة بين علوم العربية أكثر المطالب، وأرفع المآرب، لما به من سبل توصل الدارس في باب الحسن إلى مبتغاه، ويقف على منتهاه، بين علوم العربية اللسانية القيمة العالية، والذاتية المتفردة.
والإبداع باتجاهاته المختلفة في أي أمة من الأمم هو عنوان حضارتها، والقوة التي لا تستطيع كبح جماحها، أو القضاء عليها، لاسيما في هذا الجو الساخن الملتهب الذي يتسم بالسرعة والتحول، المحاط بدواعي التغيير والتفتح على كل ما من شأنه إدخال قيم ومبادئ ومعايير جديدة تمس الحياة من جميع جوانبها .
وللحق نشهد أن التجربة النقدية التي قام بها الشاعر والناقد هشام شوقي أمين في كتابه ( رائدة الشعر الكويتي – الشاعرة ندى السيد يوسف الرفاعي – مقالات وقراءات ودراسات في النقد الأدبي) والتي تم نشرها بالجرائد والمجلات الورقية في ربوع الوطن العربي كمصر والكويت والجزائر والعراق، وغيرها في كل مكان تظهر فيه حركات نقدية، أو اهتمامات أدبية ، وهي تجربة نقدية عميقة وموضوعية ومبتكرة وشاملة و جديرة بالقراءة المتأنية الباعثة على الذائقة الفنية المتولدة من تلك النقدات التي جاءت في صورة مقالات وقراءات ودراسات في النقد الأدبي عرضت وتناولت الظاهرة الشعرية الرائدة لشاعرة عربية رائدة أثرت الحركة الأدبية الكويتية والعربية بثمانية دواوين شعرية متميزة محافظة للقصيدة العربية على شكلها العمودي التراثي الملتزم بوحدة الوزن الشعري والقافية في أعمالها الشعرية الكاملة (رفاعيات ) التي تتسم بتعدد الأغراض الشعرية وتنوع المقاصد الفنية، فكان منها تلك القصائد التي تحتوي على المعاني الصوفية المعتدلة القائمة على وصف المقامات والأحوال، مع مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – وآل بيته الأخيار كما في ( ديوان صلواتي ) وديوان (زهرة المصطفى ) ، وكان منها ما هو قائم على القصص الشعري، أو الشعر القصصي القائم على ذكر قصائد تحتوي على سرد قصص الأنبياء والرسل الكرام كما في ( ديوان الأنبياء) ناهيك عن ديوانها القائم على الأدب التربوي البحت كما في ديوانها ( كاد المعلم أن يكون رسولا ) والتي اقتبست عنوانه من بيت أمير الشعراء أحمد شوقي :
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا … كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
وهو ديوان لها قائم على غرس القيم الإنسانية والسمات الأخلاقية والمبادئ التربوية التي ينبغي أن تسود بين أطياف المجتمع الواحد وكذلك تجاربها الوطنية في حب وطنها الكويت والمتمثل في ديوانين (لآلىء وأسفار ) و (وطني الذي أحب ) وهي تغوص في حب بلدها وتراثها والتعبير الخلاق عن آلام الوطن ومحنة الغزو وأفراح التحرير والاستقلال وتثمن دور أبنائه وشهدائه . ولها ديوان (الربيع الزائف ) الذي قامت فيه برفض الإرهاب والتطرف وقد وظفت الشاعرة الشعر في خدمة الدين والوطن والمجتمع .
وتعدد دواوينها الشعرية، وتعدد أغراضها هذا التنوع الثري للدواوين وأغراضها ، جعل الناقد /المتميز والمتمرس في مجال النقد والأدب (هشام شوقى أمين )، جعلته يسبح في بحور قصائدها الشعرية ويغوص بالإستقراء والتحليل الأدبي وهو يتمتع بلذة الإبحار و التجول النقدي بين قصائد دواوينها، وأبيات قصائدها، فتعددت المواقف الأدبية، وتنوعت السمات والرؤى النقدية ، وقد ساعده في ذلك تلك الموهبة الشعرية الفطرية التي تحلى بها الناقد ، فكونه شاعر جعله يغوص في أعماق النصوص الشعرية، ويستنطق منها ما لا يمكن أن يقف عليه أصحاب المقاييس النقدية المكتسبة، إذ فرق شاسع بين ناقد اكتسب قوانين النقد من مسائله النقدية وأسسه الأدبية، وناقد تشبعت فيه روح الشعر فكان النقد لديه ذاتياً مكسواً بقوانين النقد ومقاييسه، وتجربة الناقد هشام شوقي النقدية تتميز بالإتقان والإبداع معاً، وتتميز بالشمولية والموضوعية والإحترافية في استقراء القصائد وتحليلها وبيان القيم الجمالية وأثرها الفني في ضوء المنهج التكاملى الذي اتبعه فتحققت له ميزات كثيرة مثل معالجة كل ديوان شعري برؤية نقدية مستقلة وعدم محاولة ربط الدواوين كلها بطريقة واحدة وخيط نقدي واحد لأن ذلك يلوي عنق النصوص الأدبية ويحملها مالاتحتمل ونشهد أن الكتاب مكتوب بجهد نقدي كبير يتسم بالموهبة النقدية المبدعة وبالموضوعية والحيادية وبالغوص في التفاصيل الجمالية الدقيقة للقصائد وإظهار أثرها الفني والجمالي ونشهد أن الناقد هشام شوقي أجاد المعالجة النقدية بموهبة واحترافية وإبداع نقدي مغاير ومتجاوز للنقد النمطي المألوف واتضح ذلك جلياً في مقارباته النقدية لتلك الدواوين الشعرية التي تتسم في جلها بروح العقيدة، وأسس الدين، وبث عناصر القيم والأخلاق، وحب الوطن وهي نتيجة رائدة لتزاوج الأدب بالدين، أو بمعنى أدق تشبع الأدب بأحكام الدين وروح شرائعه .
بقلم
الأستاذ الدكتور/ أحمد محمود الجبالي
أستاذ النقد الأدبي رئيس قسم البلاغة والنقد
بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر