بقلم / سامية خليفة
تبدأ الشاعرة النص بعنوان هو عتبته، وهو الجاذب الأول للقارئ كي يخترق لجج النصّ مجذفا حينا ماخرا بمركبه ومحلقا حينا آخر بخياله سارحا مع قطيع من غزلان الصور الشعرية، ها هي الشاعرة تُعنوِن نصّها بمفردة واحدة وهي (أمي) كلمة أم وقد اتصلت بها ياء المتكلم، لتشير للقارئ أن من ستتحدث عنها في شعرها ليست أي أم، بل هي أمها التي تربطها بها مشاعر إنسانية روحية ندية، الأم بالنسبة إليها هي الجمال والأمل والحب، لذا لا غرابة إن قالت عنها أنها تعيد الربيع، والربيع كفصل هو ملك الفصول بمناظره الخلابة واعتداله فما كان لنا حريقا ولا كنّا فيه غرقى لصقيع ومطر فالأم التي أصبحت الدنيا بعدها خريفا قاتما، تعيد الربيع بذكراها بمرورها طيفا ملامسا للوجد، ممسّدا للحزن تجلو بمرورها الحزن والكآبة.
لذا ليس علينا أن نتساءل كيف تعيد الربيع خصوصا حينما تستكمل الشاعرة قائلة : «ها هو الشوق يرفرف من جديد.»
حتما هناك صعوبة لدى الجميع للخروج من كآبة ما بعد الفقد، فكيف إن كان الفقيد هو الأم، قد كانت لدى الشاعرة محاولات للانشغال عن ذكرى فاجعة فقدانها للتخفيف من ثقل الاوجاع، إلا أنها كلها باءت بالفشل، فالشوق إلى الأم، هو كما شوق المغترب إلى أحضان وطنه، الأحلام كانت حقيقة بالنسبة إليها، أحيانا تسيطر علينا فنعيش في وهم خيالنا، نرفض واقعنا المدمر لأحلامنا، نتقوقع في انعزال تام عما يعيدنا إلى الواقع، تتساءل كيف كانت تصدق حلمها وهي في حضنها؟ وهذا الشعور ما هو إلا كناية عن مهدئ لروحها الكليمة فأن تحلم بها وهي ترتشف من معين حنان أمها لهو أهون عليها من واقعها الجاف حيث أوار الظمأ لا يطفئه أيّ شيء من مغريات الحياة . تقول :»كيف كنت،،؟
أصدق أحلامي
في حضنك،،
المترامي الأمان؟
لم تقل المترامي الآماد كما هو شائع قوله كتعبير عادي ومتكرر عن أبعاد المسافة بل قالت المترامي الأمان وفي هذا خروج عن النمطية التصويرية والتعبيرية، فاستخدمت الشاعرة أ. حنان كلمة الأمان للدلالة على اتساع الأمان حين تكون في حضنها وفي ذلك تعبير مجازي إبداعي ملفت.
لتقول مستطردة:
كيف كانت تخضر الأغنيات،،
على ثغرك البسام؟
وهي في قولها ما زالت تستغرب، كيف وهي في حلم وجودها في حضن أمها، كان كل ما حولها منسجما في موسيقى حالمة وفي إيقاعية جمالية مبهرة فتخضر الأغنيات، وفي هذه العبارة المجازية صورة بيانية بديعة، حيث استعارت الشاعرة سمة الاخضرار من الربيع الأخضر ووصفت الأغنيات به .
لتعود فتفيض على القارئ بصور غزيرة ومكثفة في بضعة كلمات وهذا هو الهدف في قصيدة النثر، التكثيف .
تقول:
«على ثغرك البسام
بين ضفتي شفاهك
لحن من تحنان»
الانتقال من صورة الثغر البسام وذلك دليل رضا الأم على ابنتها البارّة ، إلى اعتبار أن شفتيها عبارة عن ضفّتين ، إلى أن من هاتين الشفتين تتهادى الكلمات في ألحان ، ولكنها ليست أي ألحان، إنها ألحان من تحنان، والتحنان هو الشوق والحنين، ليكون الشوق ما بين الأم وابنتها شوقا متبادلا، حيث تدرك الشاعرة جليّا أن أمها في عالم آخر ، لذا ستطبع صورة شوقها عليها، لتتبادل مع تلك الصورة المشاعر ذاتها.
الإبنة البارّرة كما كل ابن بار بأمه، لن توفّي أمّها حقها، فلو استخدمت كل أبجديات العالم حتى آخر حرف للتعبير عن عظمة تضحياتها وعطائها لتكون موسوعة جامعة لكل صفات الإيثار والجمال والتضحيات ستبقى مقصرة تقول:
«ليت قاموس المعاني
يسعفني لأحايل البلاغة
في استنباط
أخر حروف الهجاء
لتكوني موسوعة الوصف
للجمال،،
للتضحية،،
للحب..
في كلّ اللّغات
قصيدة الشاعرة حنان يوسف
أمي…
تعيد،،الربيع
ها هو الشوق
يرفرف من جديد
في أحداقي
كيف كنت،،؟
أصدق أحلامي
في حضنك،،
المترامي الأمان
كيف كانت تخضر الأغنيات،،
على ثغرك البسّام
بين ضفّتي شفاهك
لحن من تحنان
ليت قاموس المعاني
يسعفني لأحايل البلاغة
في استنباط
آخر حروف الهجاء
لتكوني موسوعة الوصف
للجمال،،
للتّضحية،،
للحب..
في كل اللّغات
يا من كان ولازال
صدرك أرجوحة الدّلال
يا عطر الحرف
في لغتي
أكتبها شذا
فتعبق بالطيب أشعاري..