آيــة سـعد
لا طريق لي الآن فكل الحواجز قد وضعت على مسالكي التي كانت تحملني بين الجموع وحيدًا كأنني لا أحد أو كأنني الفراغ الذي يتخلل بين إنسان وآخر ويتسرب على طاولات المقاهي المهجورة حيث لا مكان للوجود سوى لذرات البُن العفنة المتطايرة وللأرواح المُعلقة على الكراسي التي شهدت أقسى لحظات الوداع تلك التي تنتهي بعبارات تخلو من الحروف وتتجرد من اللغة وتبتعد عن تبادل الحوار وتقبّله وكأن الأنسان يودع فيها نفسه لشدة صمت كلماتها …
ذاتها العبارات التي لم تُنطق أبدًا وكانت من نسج الخيال لأنه لابد لهذه الأرواح المُهشمة أن تتعلق بوداع لائق ، وداع يخلو من التلويح الأبدي ويضمن لها نهاية العيش والموت على قيد الوجود المادي حيث لا مكان للشعور بعده ولا أثر للخطى أو النظرات فيه
ثم أنني لا أعلم كيف يمكن للأنسان أن يعيش نفسه منعزلًا عن الكون متجردًا من جميع سُبل البقاء ولكنه مع ذلك يجلس على حافة الفراغ ومابعده الهاوية باقيًا يضج بأفكاره التي لا حدود لها كأنها تنطلق من عقله وتلف العالم وتعود حاملة أسى العقول جميعها وحزن الرحيل وجزع الموت وفزع الخوف من الوحدة والتعلق باللاشيء والتشبث باللقاءات التي تضم حياة الأول ورفات الآخر والتحضير للحوارات التي لن تُخاض فتتكدس برأسه كمنجم فحم يعتليه السواد وينتظر النار لكي تأكله فتوفر عليه مكانًا للإنتاج مجددًا ؛
تلك الأفكار التي تخلو من الأجساد كأنها مقبرة شهداء تُركوا على سواترهم الجثة فوق الجثة لا يملكون من الأمر شيئًا سوى النصر الذي ظفروه فخذلهم وصيّر منهم أرواحًا يُخيّم عليها صمت مخيف لكنها تضج بالكلام المتجرد من السماع والتصرفات التي تخلو من المرئية والسفر الى مواطن من غير أرض تكسوها السماء وتحيط بها من أرضها حتى إياها…
وفي النهاية توصلت بأني لا خلاص لي، أنني هزيم أمامي وقوتي لا تكفي عليّ حيث إنني أسقط مني كما يسقط الصباح من رحم المساء وأتلاشى كما تتلاشى السُحب الرمادية لتتجمع من جديد في مكانٍ أكثر حزنًا وإكتئاب ، مُثقلٌ أنا بي لأنني أحمل معي قبري ورفاتي وشاهدي الذي يخلو من إسمي لكنه منسوبٌ إليّ بمعاناته، جميعهم أصطفوا في قلبي فـ لم يعد لدي حياة تقوى على الحياة لأنبض من جديد.