بحركات مدروسة بعناية، وتمارين شفوية، تؤدي جنان عبد الكريم (29 عاما) أمام مجموعة من المتدربين أحد أهم مهامها في الحياة.
جنان التي عانت طوال عمرها من التلعثم بالكلام والتأتأة استطاعت اليوم أن تدير مشروعًا خاصًا بها، لمحاربة التأتأة حسب قولها للجزيرة نت، لأن «التأتأة» حالة مؤذية ستدمر حياة صاحبها، وتجعله يعيش في الظل إن لم يتجاوزها أو يتعايش معها.
وفي حين تدرب جنان المتدربين في ورشتها على وضع القلم بين أسنانهم والحديث، تروي للجزيرة نت حكايتها مع التلعثم، حينما كان عمرها 9 أعوام فقط، تعرضت لصدمة وموقف جعلاها، تفقد النطق وتدخل بعزلة 3 أيام، وبعد محاولاتها استرجاع صوتها والحديث، اكتشفت أنها غير قادرة على إكمال جملة واحدة دون تقطع وتلعثم.

تحكي جنان ، أن مرحلة طفولتها ومراهقتها كانتا بغاية الصعوبة والانعزال، فلم تتمكن من تكوين صداقات واللعب مع الأطفال، كما أنها تتجنب الحديث، لئلا تضع قلبها في مواقف محرجة، حتى أصبحت خائفة وضعيفة طوال الوقت.
«كنت أكتفي بضم نفسي والبكاء تحت المقعد في المدرسة لأني كنت أعاني عذابا مستمرا، ولا أعرف كيف لي أن أتخلص منه، عذابا استمر معي حتى في فترة الجامعة»، تواصل جنان الحديث.
وتستذكر محاولات أقاربها لمساعدتها، دون جدوى، بأنهم وحينما يجدونها تتلعثم أمام أولادهم يحاولون مساعدتها من خلال إفزاعها.

«كنت كلما نطقت كلمة أمامهم وتلعثمت، يتعمدون إفزاعي وإثارة هلعي، ظنا منهم أنه عن طريق ترهيبي ورعبي ستذهب مني هذه الحالة، لكنهم لم يدركوا أنها كانت تزداد، وكلما ازدادت كثرت مع الآخرين طرقهم المبتكرة للسخرية والتنمر والتجريح»، تقول جنان.
محاولات للنجاة
بدأت محاولات فكرة التخلص من التلعثم في حياة جنان، بعد تخرجها من معهد التقنية قسم المعلومات والمكتبات، فأرادت تحدّي ذاتها، وبدء مرحلة التخلص من عقبة الحديث مع الآخرين، عن طريق دخولها كلية الفارابي-تخصص إعلام/ صحافة إذاعية وتلفزيونية، لأن الإعلام له صلة بالصوت.
فكرت أن تصل من خلال تمارين الدراسة إلى عبور بعض الخطوات، وذلك بعدما وصلت إلى مرحلة رفضت بها نفسها كليا، لما فعلته بها التأتأة، وحرمانها من حضورها بين الناس، وأن تصبح جزءا منهم.
«كنت حينما أقرأ قصيدة بيني وبين نفسي، أطيل بها لأكثر من 3 ساعات، أردت أن أقلص وقت قراءتي وأجعلها لا تتعدى عدة دقائق «، تضيف جنان.
انتفضت جنان، وقررت محاربة التأتأة ولو تطلب العلاج وقتا طويلا، لأنها كانت في سنواتها الأولى تواجه صعوبة بالكلام، لكن الحالة تطورت معها بمرور الوقت حتى فقدت الكلام كليا بعد تخرجها من المعهد، حتى اسمها لم تعرف كيف تنطقه، كل أنواع الأحرف والكلمات كانت صعبة جدا بالنسبة لها.
«كنت أخشى أن يسألني أحدهم شيئا ما وأرغب بالبكاء لأن شيئا ما يريد الخروج من فمي، ولا أستطيع نطقه»، هكذا تعبر جنان عن معاناتها.
حارب التأتأة
قادتها فكرة إلى إنشاء مشروعها الخاص «محاربة التأتأة» لمن هم مثلها، بعد أن قدمت ورشة على مدار 3 أشهر في إحدى المدارس الإعدادية، وكانت المحاضرة الأولى الأصعب في حياتها، إذ كانت تتلعثم طوال الوقت، خشيت نظراتهم، ثم اكتشفت وجود بعض ممن يتلعثمون في الورشة، أحدهم كان لا يريد النطق، وهو من ألهمها لتأسيس مشروعها.
أرادت جنان إيصال صوت كل شخص متلعثم منعزل ومدفون داخل قوقعته الخاصة، إلى المجتمع والناس، وأن يتوقف التنمر والضحك عليهم، واستخدامهم كمادة للاستهزاء في الحياة اليومية، وحتى في المسلسلات والبرامج، وكأن الأمر عادي.
توضح جنان أن كل من تمكن من الدخول إلى الورش التي قدمتها ضمن مشروع «حارب التأتأة» استغرب كيف أن لهذه المشكلة حلًا دون الدواء، فتحمسوا لحضور المحاضرات وتطبيق الخطوات التمرينية، ومنها تمرين التنفس الضلعي، والذي يعتمد على حبس النفس قبل نطق الحرف، ثم ينطق الشخص الكلمة أو الجملة التي يود قولها، فيطلق بعدها الزفير.