بقلم: د.ربيع حروق لبنان
ارتبطت آسيا الوسطى بالحضارة الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي حينما فتحها العرب المسلمون وأطلقوا عليها بلاد ما وراء النهرين، تشمل أراضيها جمهورية أوزباكستان وطاجاكستان وكازاخستان وتركمانستان وقرغيزيا، وجغرافياً هي المنطقة الممتدة بين نهري «جيجون» في الجنوب ونهر «سيحون» في الشمال، وقدمت هذه البقعة الجغرافية منذ ذلك الحين الكثير من العلماء الذين كانت لهم إسهامات مشهودة في علوم الرياضيات والطب والفلسفة والحديث الشريف واللغات، كذلك تقع في تلك الدول مدناً هامةً يرتبط اسمها بإنجازات وقاماتٍ علميةٍ وقيمٍ حضاريةٍ في مجالات العلوم المختلفة ابتداءً من مدينة «بخارى» و»ترمذ» و»خوارزم» و «شاش» و»نسف» في جمهورية أوزباكستان مروراً بمدينة «مرو» و»نسا»في جمهورية تركمانستان وصولاً إلى «فاراب» في جمهورية كازاخستان.
ولو أردنا الحديث عن جيوسياسة تلك الأرض لوجدنا أنها تحظى بأهميةٍ استراتيجيةٍ برى فهي إحدى ساحات التنافس الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وبخاصة أنها تزخر بالعديد من الموارد الطبيعية التي جعلتها هدفاً لأقطاب القارة الأوروبية، ولعل ذلك كان سبباً غير مباشر لنمو الجماعات الراديكالية المتشددة في تلك الدول التي بدأت بالنمو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبرزت بشكلٍ بارزٍ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وبدأت تلك الجماعات بممارسة نشاطها التخريبي خارج الحدود انطلاقاً من جمهوريات ما وراء النهرين حتى باتت ركيزةً أساسيةً للإرهاب الدولي على جبهاتٍ مختلفة بدلاً من أن تصدر العلوم والثقافات كما فعل الأسلاف العظام من قبل!!.
فلا بد من وضع حلول مجدية لهذا الملف الشائك الذي يستهدف أرواح الناس في دولٍ مختلفةٍ تحت مسمياتٍ مغلوطةٍ ارتدت رداء الشريعة السمحة زوراً وبهتاناً، وعلى حكومات جمهوريات آسيا الوسطى التي تعتبر اشعاعاً حضارياً تاريخياً أن يكون ذلك على رأس أولوياتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط تأصيلية على مستوى المؤسسة الدينية في تلك الجمهوريات من شأنها أن تساهم في عملية الإصلاح والتمكين للفكر الوسطي المعتدل، أبرزها:
– تقوية المؤسسات الدينية الرسمية في تلك الجمهوريات من خلال الرعاية وتقديم الرعاية المادية والمعنوية لها.
– تأهيل الكوادر العلمائية لتصبح أكثر إلماماً في مواجهة الفتاوى الغريبة والأفكار الشاذة التي تتسلل إلى مجتمعات تلك الدول.
– تقوية الفكر المؤسساتي وترجمته في المؤسسات الدينية.
– تعزيز الأمن الفكري وتأصيل المناهج التدريسية في المؤسسات الدينية على ضوء مفاهيم المواطنة وفقه الواقع.
إن تحصين جمهوريات آسيا الوسطى من هذا الوباء ينبغي أن يكون على رأس أولويات حكومات تلك الدول ومنظمة التعاون الإسلامي، فالارتباط الروحي للمسلمين حول العالم بما أنجزه علماؤها يفرض علينا جميعا كحكومات وجمعياتٍ أهليةٍ وأفراد أن نرد لهؤلاء العلماء العظام جزءً من جميل تعبهم وصدق جهادهم في نقل العلوم إلينا وإلى الأمم الأخرى