ترجمة- جودت جالي
كرس البريطانيون الكثير من الكتابات، لكي يعطوا تفسيرا للحماس الثوري الذي لم يسبق له مثيل والذي وجدوا أنفسهم في مواجهته, و نحوا باللائمة على تدخل اليد “الأجنبية” والمقصود هنا أتباع كمال أتاتورك تارة، والحكومة القومية في سوريا تارة أخرى، أو البلاشفة ( وهم الشيوعيون الذين استلموا السلطة في روسيا العام 1917- المترجم). حقا أن الوضع في النجف على حافة الصحراء جعل المدينة المقدسة على إتصال سهل مع سوريا وتركيا، وبرهان على ذلك المراسلات المتوفرة بين العلماء الشيعة ووجهاء حلب بشكل خاص. كان الشخص الوحيد الذي إمتدح العلماء ومساعدته علانية هو أمير المحمرة الشيخ خزعل ولكن هذا رفض كل تدخل لصالح الثوار. أما بالنسبة الى قادة الحجاز فقد تبنوا موقفا حياديا ولم يشاركوا لصالح الثوار ولا لصالح البريطانيين، وبقيت جريدة حكومة الحجاز الرسمية (القبلة) ملتزمة بالصمت المطبق إزاء الأحداث الجسام التي تجري في العراق المجاور. في حين شارك حزب حرس الإستقلال مشاركة مهمة في الثورة ولم يلعب حزب العهد الذي تبنى المشروع الشريفي أي دور حتى أن بعض قادته مثل نوري السعيد وجعفر العسكري أدانوا الثورة وأعلنوا عن نيتهم التعاون مع الإنكليز. برغم التوترات التي أفضت الى مواجهات ضد البريطانيين في دير الزور وتلعفر فقد ربط حزب العهد مصيره بالإنكليز بطريقة لا رجعة فيها.
بالمقابل فإنه في حين كان حرس الإستقلال يقيم علاقات جيدة مع العناصر المقربة من الأتراك في العراق ومن بينهم علماء شيعة فقد ظل العهد، بإسم القومية العربية، معاديا بشدة لكل فكرة تعاون مع الأسياد السابقين للبلاد. أما الحركة الوطنية في بغداد فقد كانت ضعيفة، وبالنسبة الى التأثير البلشفي فيبدو أنه كان مصدر كوابيس لعدد من الباحثين البريطانيين، فالثورة حسب ما توهموا هي نتيجة النداء الذي وجهه البلاشفة الى شعوب الشرق المضطهدة في شهر كانون الأول 1917، وقد إنتشرت كذلك شائعة مفادها أن آية الله شيرازي أصدر فتوى يعتبر فيها البلاشفة أصدقاء للإسلام، وقد قويت مخاوف البريطانيين عندما ألقي القبض على الشيخ محمد رضا إبن آية الله شيرازي وبحوزته كتيب عنوانه (مبادئ البلشفية). كما أسهمت (جيرترود بيل) في نشر حالة الفزع التي إستبدت بالمسؤولين البريطانيين حين اعلنت أن البلاشفة وصفوا محمد رضا في برقية أرسلت من رشت في 20 حزيران بأنه “العميل الناشط في كربلاء من أجل القضية البلشفية”. أما بالنسبة الى الإتصالات مع الأتراك إذ كانت قد اكدت أن مساعدا لمصطفى كمال قابل محمد رضا في داره بكربلاء يوم 17 نيسان فإن هذه المقابلة لم تفض الى نتيجة ملموسة، ويبدو أن نشاط محمد رضا بوصفه رئيسا للجمعية العراقية العربية(النشطة في النجف وكربلاء وبغداد والموصل وتكريت والسماوة من 1919 الى 1922 والتي يؤكد بعض أعضائها تلاؤم الإسلام والبلشفية) قد أثار في أذهان البريطانيين شكوكا توحي بوجود تعاون بين مصطفى كمال والبلاشفة (يرجع الباحث في هذه القضية الى حنا بطاطو في كتابه الطبقات الاجتماعية القديمة….- المترجم). غير أن مساعدة الكماليين والبلاشفة للثوار العراقيين هي وهم من أوهام البريطانيين أكثر من كونها حقيقة. إن ثورة 1920 وهي الحركة المسلحة الوحيدة لبلد عربي ضد الإستعمار الغربي التي إكتسبت صفة جماهيرية حقة ، لقيت القليل من الصدى في العالم العربي وهذا مظهر من مظاهر العزلة العريقة وتهميش الشيعة في موطنهم.