الدكتور عادل الجبوري
في بلدٍ مثقل بالوجع، يُصبح الوقوف في المكان الخطأ، أو قول كلمة في حضرة سلطان جائر او صاحب نفوذ، كافيًا ليُسلب منك كل شيء.
ولعل قصة المهندس المرحوم بشير البكري ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي صفعة مدوّية على وجه العدالة، تفضح حجم الظلم الذي يعيشه العراقي داخل وطنه.
شاب مهندس، طموح، من عائلة لها تاريخ مشرف في خدمة الدولة. جده، اللواء نشأت بهجت البكري، كان من أوائل من وضعوا أسس العمل الشرطي في العراق، مؤمنًا بأن الأمن يجب أن يكون في خدمة الناس لا سيفًا مسلطًا عليهم. لكن حفيده بشير، وفي قلب بغداد، لم يحصد من هذا الإرث القيمي إلا القهر. ففي خلاف بسيط مع ضابط اتحادي برتبة لواء، تحوّل أمره الى مأساة، لأن النفوذ هنا لا يعترف بالحق ولا يخشى القانون.
بشير اُعتقل، ضُرب بأنبوب حديدي، ليدخل في غيبوبة، وخرج منها ميتًا.
هذا ليس مشهدًا من فيلم مظلم، بل هو واقع يومي يمكن أن يحدث لأي شاب في هذا البلد. الاعتداء عليه لم يكن مجرد تصرف فردي؛ بل تجسيدٌ لنظام يبرّر الإهانة والتعذيب تحت شعار “الحفاظ على الأمن”، ويغلق كل أبواب التحقيق النزيه بإصرار مخيف على أن “الاعترافات” هي كلمة الفصل، حتى لو انتُزعت من جسد مسحوق وروح مكسورة.
كل من عاش تجربة التوقيف في العراق يعرف أن الكرامة تُنتزع في اللحظة الأولى، وأن القانون لا يحمي الضعفاء. ولا فرق إن كنت طبيبًا، أو مهندسًا، أو حتي لو كنت تمثل السلطة الرابعة أو ابن مؤسسة أمنية عريقة. إذا أرادوا كسر ظهرك، فعلوها. وإذا رمَوك خلف القضبان، أرسلوا من يتولى “تأديبك”، ثم قالوا لك: “هذا قدرك، وابتلاؤك من الله”.
لكن الحقيقة هي أن الظلم ليس ابتلاءً، بل نتيجة لصمتٍ مزمن وتواطؤ مستمر.قصة بشير هي جرس إنذار لكل من لا يزال يظن أن النظام سيحميه وإن كان بريئًا. في هذا البلد، قد يصبح الضحية مجرمًا بورقة، ويُقيد دمه ضد مجهول، وتُطمس الحقيقة لأن الجاني “من أهل السلطة”.
لا نملك اليوم إلا أن نحزن على بشير، ونفهم الدرس: الحق لا يُنتزع إلا بوعي شعب، ورفض جماعي للظلم، وإيمان بأن الصمت شراكة في الجريمة.؟؟