موفد الشرق / كريم هاشم العبودي
تذكرك بأسواق بغداد وأربيل وكركوك، حيث ما يزال عبق الماضي يطفو في أثيرها ودكاكينها ووجوه الباعة والزبائن..
السليمانية لم تكتفي على متنزهاتها فقط، وأقدمها ( الحديقة العامة)، ثم متنزه الحرية (بارك آزادي)، بل أضافت أكبر متنزه في السليمانية، جنة المدينة (هواري شار) ..
المرأة الكوردية في السليمانية كما في غالبية المدن الكوردية .. حريصة على ارتداء ازيائها الكوردية التي تظهر جمالها وتعبر عن اعتزازها بهذا الزي ..
كانت مدينة السليمانية معروفة قبل تأسيس المدينة الحديثة في 1784 إذ أنها كانت عاصمة لإمارة بابان الكردية وقد كانت المناطق القريبة من السليمانية المتمثلة بعاصمة البابانيين (ميدنة قلاجوالان) ساحة معركة إبان الصراعات الصفوية العثمانية ولذلك قام إبراهيم باشا بابان في عام 1783 بتأسيس مدينة جديدة لتصبح عاصمة لإمارة بابان، وفي عام 1785 أنهى إقامة أسواق التجارة وقصر الحاكم وأنشأ سوقاً فيها فبدأ سكان القرى المجاورة بالانتقال إلى المدينة الجديدة وظلت مدينة السليمانية عاصمة الإمارة البابانية حتى عام 1851م، وفي القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي كانت مدينة السليمانية مركزاً للثقافة القومية والحركات السياسية الكردية ومنها أعلن محمود البرزنجي التمرد ضد الاحتلال البريطاني في 22 مايو 1919، ولقد قام بإلقاء القبض على المسؤولين البريطانيين في المدينة وأعلن دولة مستقلة للأكراد وأن السليمانية هي عاصمتها ومن ثم أعلن الاحتلال البريطاني اعترافه بهذه الدولة وإعلان محمود البرزنجي ملكاً عليها لإسكات سكان السليمانية وإيقاف تمردهم..
هذا جزء مما ذكره الدكتور الباحث محمد الزيباري بشأن محافظة السليمانية ..

وأبتدأت الرحلة
ومن هذا ابحرنا الى هذه المدينة الهادئة .. لنتعرف على عاداتها وتقاليدها .. حيث دخلناها في تمام الساعة السادسة مساءا ، حيث يمتاز مدخلها بسعته كما تستقبل هذه المدينة زوارها بأهم واجهتين حضاريتين، الجامعة الأميركية على اليمين، تقابلها من جهة اليسارجامعة السليمانية، قبل أن نصل إلى مدخل مطار السليمانية الدولي، ويحق لإقليم كوردستان ومدينة السليمانية أن تتفاخر بتلك الجامعتين ومرافقهما العلمية والإدارية والاجتماعية..وما ان نقترب باتجاه مركز المدينة، حتى يبدأ الاختناق المروري ويبلغ أشده في بداية شارع سالم، الذي تتوسطه بناية مؤسسة سردم للترجمة، التي أنشأها الشاعر الكوردي الراحل شيركو بيه كس، وهو أهم شوارع المدينة، وحالة الازدحام هذه تتواصل ليلاً ونهارا.. والمعروف أن غالبية أسماء شوارع السليمانية تستمد عناوينها من أسماء شعراء كورد وعرب، مثل سالم ومولوي والجواهري..

الحاجة الى طرق سريعة
تحدث ابو احمد وهو سائق اجرة عن أهم أسباب الازدحامات في شوارع المدينة، قائلاً: «لم يتم فتح شوارع جديدة ما عدا شارع 60 الذي تم افتتاحه قبل سنوات، وبقيت شوارع السليمانية القديمة مثلما هي بدون أية توسعات بينما ازدادت أعداد السيارات أضعاف ما كانت عليه». مضيفاً «نحتاج إلى طرقات سريعة حول المدينة مثلما حصل في أربيل مثل شارعي 120 و150 اللذين خففا من ازدحامات المدينة»، مشيراً إلى ان «غالبية السواق من الشباب لا يعرفون قيادة السيارات ويتصرفون بطريقة بعيدة عن اللياقة التي أساسها الذوق والفن».

أسواق بعبق الماضي
ويضيف : يتصل شارع سالم في نهايته بشارع مولوي، الذي غابت عن واجهته صورة كبيرة لمام جلال، كانت مثبتة هناك منذ سنوات، وهو سوق شعبي أكثر منه شارع، حيث تزدحم أرصفته في أوقات ما بعد الظهر بالباعة الجوالين إضافة إلى دكاكينه.. في هذا الشارع تكاد أن تجد كل شيء، ملابس أجهزة كهربائية موبايلات خضار وفواكه، محلات السندويشات والعصائر، صرافين، محلات الحلويات، صيدليات، ومن هناك بإمكانك أن تختار الاتجاه نحو السوق القديم (القيصرية) أو الجامع الكبير.

مجموعة أسواق تحت سقف واحد !!
وفي السوق القديم التقينا الحاج ابو احمد .. فحدثنا عن هذا السوق حيث اخبرنا بأننا ستجد كل ما تبحث عنه، فهو مجموعة أسواق تحت سقف واحد، أسواق الذهب والاقمشة والسجاد والملابس والاكسسوارات والخضار واللحوم والصناعات الخشبية اليدوية التقليدية.. ومثل هذه الأسواق تذكرك بأسواق بغداد وأربيل وكركوك، حيث ما يزال عبق الماضي يطفو في أثيرها ودكاكينها ووجوه الباعة والزبائن.. صديقتي القادمة من الموصل كانت تبحث عن خيوط صوف للحياكة اليدوية، قلت: لا اعتقد ستجدينها هنا، ابتسمت وقالت «هنا تجد كل ما تبحث عنه»، وبالفعل اتجهنا يميناً نحو سوق يزدحم بدكاكين بيع الخيوط ولفات الصوف والأزرار وكل ما يتعلق بأدوات الخياطة.

تأخر صرف الرواتب
بالرغم من شكاوى البائعين وبعض الزبائن عن تراجع الأوضاع الاقتصادية بسبب تأخير دفع الرواتب للموظفين والتي تؤثر على القدرة الشرائية، إلا أن الأسواق مزدحمة جداً بالمتبضعين، صاحب محل لبيع الموبايلات في شارع مولوي يلخص الوضع الاقتصادي بانه «متعلق بالأوضاع السياسية وعلاقة الحزبين الكورديين، الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، ببعضهما»، مشيراً إلى أن ثمة تفاؤلاً بالانفراج بعد زيارة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني للسليمانية واجتماعاته بقادة الأحزاب السياسية ..

متنزهاتها رئة المدينة
المتنزهات (البارك) في جميع مدن العالم تشكل رئة المدن التي يتنفس الناس من خلالها الاوكسجين والهواء النقي بعيداً عن التلوث، ومدينة السليمانية لم تكتفي على متنزهاتها فقط، وأقدمها ( الحديقة العامة)، ثم متنزه الحرية (بارك آزادي)، بل أضافت أكبر متنزه في السليمانية، جنة المدينة (هواري شار) الذي هو عبارة عن مناطق خضراء شاسعة مع منشآت سياحية تلجأ اليه العوائل للترفيه عن نفسها بأجواء بيئية نقية، وفي الاماسي هناك مصيف سرجنار الذي لا يبعد سوى 5 كيلومترات عن مركز المدينة والذي يضم أفضل المطاعم والمقاهي، فالقاعدة الصحيحة التي نعمل بموجبها هي الابتعاد عن مطاعم ذات الخمسة نجوم والاستمتاع بما تقدمه المطاعم الشعبية ذات النجمتين أو النجوم الثلاث.. هذا ما تحدث عنه الاستاذ كوران الجاف / رئيس اللجنة العليا في قائمقامية السليمانية ..وممثل دائرة السياحة فيها ..
ازياء نساء السليمانية
نساء السليمانية الكورديات اكثر اعتزازاً بتراثهن والحفاظ عليه من الرجال هناك، فالمرأة الكوردية في السليمانية، كما في غالبية المدن الكوردية، حريصة على ارتداء ازيائها الكوردية التي تظهر جمالها وتعبر عن اعتزازها بهذا الزي، وهذا الامر لا يقتصر على نساء القرى أو الاعتياديات، بل حتى الاكاديميات، والمثقفات يتمسكن بهذا الزي، كونه «يعبر عن انتمائي القومي وهو جزء من هويتي»، حسب ما توضح الدكتورة ابتسام اسماعيل، عميدة كلية العلوم الانسانية في جامعة السليمانية، والتي ظهرت في غالبية أيام فعاليات مهرجان كلاويز الثقافي الماضي، الذي تتصدى لإدارته، بأزياء كوردية تقليدية، مضيفة: «هذه مناسبة ثقافية بحتة وتتحمل ارتداء مثل هذا الزي كونه جزءاً من ثقافتنا، لكننا بالتأكيد لا نستطيع ارتداءه خلال عملنا الذي يتطلب الحركة والمتابعة، ومع ذلك هناك مناسبات نتحينها لارتداء زينا الكوردي». معبرة عن اعتزازها بمدينتها السليمانية .. وبمهرجان كلاويز الثقافي، قائلة «مهرجان كلاويز كان أحد اهم الأسباب لتسمية السليمانية مدينة الأدب من قبل اليونسكو، كما أنها تعتبر العاصمة الثقافية لإقليم كوردستان ومحط اهتمام غالبية من المثقفين والمبدعين الكورد والعرب والتركمان ومن جميع ألوان الفسيفساء العراقية والإقليمية».

جرأة المرأة الكوردية
وتتابع : الملاحظة التي لا تغيب عن أي زائر لمدينة السليمانية هي اقتحام المرأة، وبجرأة، لمجالات عمل معينة لم تقربها نساء أخريات في باقي مناطق العراق، مثل امتلاكها لـ(شايخانة) على شارع سالم بمحاذاة الحديقة العامة، تقول صاحبتها: «أنا انهيت دراستي الثانوية ولم أستطع مواصلة الدراسة الجامعية وفكرت بخوض غمار عمل أديره بنفسي وكان (الشايخانة) كوني أجيد صنع الشاي على الفحم وقد لاقى المشروع نجاحاً جعلني استمر فيه ويغطي نفقاتي الحياتية».

شابة صاحبة مكتبة كبيرة
في وسط شارع مولوي تجذب انتباهنا مكتبة كبيرة تديرها شابة تعرف الكثير من المعلومات عن الكتب الكوردية والعربية التي تضمها مكتبتها وعناوين الكتب ومؤلفيها، ذلك ان السليمانية تزدحم بالمكتبات منذ عقود بعيدة. وللنساء، الشابات منهن خاصة، في السليمانية مشاريعهن ومساهماتهن في ميادين العمل، فاذا تمشيت في شارع أورزدي، القريب من دار الحاكمية القديم، لا بد من أن تشرب العصير الطبيعي في محل يقدم كوكتيل من العصائر الطبيعية تملكه شابتان، كما نجد الشابات صاحبات محلات ملابس أو احذية نسائية أو نادلات في المقاهي والمطاعم.

مدينة الليل
مقاهي السليمانية التي تنتشر في شارع سالم وتمتد حتى الجامع الكبير، هي الجسر الذي يوصل أوان النهار بأوان الليل، حيث تتنوع هذه المقاهي حسب زبائنها وتشجيع روادها لناديي (ريال مدريد)، و(برشلونة)، وكانت مناسبة فوز (ريال مدريد) بكأس أبطال أوربا، لانطلاق مهرجان عفوي قطع حركة السير ليلاً في شارع سالم، من قبل جمهور النادي.

ثريا متألقة بأضوائها
مع ساعات الليل الأولى نتجه إلى شوارع السليمانية حيث تجدها مثل ثريا متألقة باضوائها.. وعندما تتجاوز الساعة منتصف الليل لا بد من الذهاب إلى منطقة الجامع الكبير، وسط مدينة السليمانية، فالحياة هناك تبدأ في مثل هذا الوقت وحتى الفجر، إذ تنتشر عربات تقديم اللحوم والكباب الشهير المشوي على الفحم والذي يعد احدى العلامات السياحية للمدينة التي لا يغفو أهلها.

الشاي المعطر بالهيل
اما الناشطة المدنية الست هند احمد فلها ذكريات جميلة في كردستان العراق .. فهي تتذكر جبالها ومطاعمها الجميلة وشايها المعطر بالهيل ولبنها اللذيذ .. وناسها الطيبين .. وتتمنى هند ان تزور السليمانية .. واربيل .. وكافة مدن كردستان ..