لقد كان الامام الكاظم (عليه السلام) إمامًا جليلا عظيمًا لكل المسلمين، سائرًا على نهج اجداده العظام رسول الله سيدنا محمد (صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه وأتباعه الى يوم الدين) والامام علي والامام الحسين والامام علي السجاد زين العابدين والامام محمد الباقر والامام جعفر الصادق، وجداته امهاتنا خديجة الكبرى وفاطمة الزهراء (عليهم سلام الله ورضوانه جميعا)، وهل هناك أعظم من هذا النسب الشريف!
كان (عليه السلام) امامًا في الفقه والعلم والتقوى، وبذلك يُعدُّ من الثوابت التي أجمعت عليها الأمة الإسلامية، وإستذكار وفاتهِ (عليه السلام) من المناسبات العظيمة لربط اواصر هذه الامة وطوائفها جميعًا، ويحضرنا في هذا المقام ذكرى فاجعة جسر الأئمة في بغداد عام 2005، إذ إستشهد المئاتُ من الزائرين لمرقد الإمام موسى الكاظم غرقًا، فإنبرى الشاب العراقيُ البطل عثمان العبيدي (رحمه الله) من أهل الأعظمية، وتصدّى لنجدة الغارقين تحت جسر الأئمة، فأنقذ عددًا من الذين وقعوا من الجسر إلى نهر دجلة، وكلما أنقذ واحدًا وساقه إلى الجرف، سارع إلى إنقاذ الباقين وما زال يُغيثُ الغرقى حتى غَرِقَ هو بعد أن الْتفَّتْ حوله عباءة امرأةٍ غريقة، فتوفيَ عثمان حينئذٍ ليرتقي شهيدًا، وكأن الله (جل في علاه) أراد أن يُذهبَ بإستشهاده غيظ قلوب العراقيين ويُطفئَ ناراً لحرب أهلية.
وبالنظر إلى آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام (رضي الله عنهم) كرجالٍ مباركين وسادة في النسب والعلم والدين، فهم أساس التقريب وليسوا مكسبا للسياسة والتقسيم، فهم أعظم من ذلك وكلنا بهم راضون متشرفون.
إن بلداننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى التجبير والتلحيم وليس الى التباعد والتقسيم، وآلُ البيت والصحابة هم نقطة الاتفاق والوحدة، إذ كانوا جميعًا متخلقين بخُلق الاسلام، ولو اتبعناهم على حقيقتهم لإتبعنا كل تعاليم الدي، فهم كانوا رموزًا للوحدة والمحبة، وكلُ كلمةٍ وكلُ فعلٍ منهم كالمسك والرياحين، وكانوا ابعد الناس عن الايذاء والظلم.
كان آلُ البيت الأطهار مُصرين ومصممين على وحدة أمة جدهم رسول رب العالمين (صلى الله عليه وسلم)، وكل المسلمين من منظارهم هم شيعة ال البيت على السنة النبوية من اهل السنة والجماعة، وفي ذات الوقت فإن كل من كان على السنة المطهرة يكون من شيعة آل البيت وكل من كان من شيعة آل البيت فهو سني على سنة النبي الاكرم (صلى الله عليه وسلم).
نحن العراقيين بأمس الحاجة الى هذا الفهم الذي لخصهُ السيد السيستاني (رعاه الله) حين قال: (لا تقولوا اهل السنة اخواننا بل قولوا انفسنا)، وجزاه الله خيرا على هذه الكلمة العظيمة ولو فهمناها وعملنا به لداوت الجروح، إذ نحن بحاجة الى النوايا السليمة والفهم الصحيح وتجاوز الجاهلين من اية جهة كانت.
اللهم اشهد أني سني على السنة النبوية الطاهرة، ومن شيعة الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) واريد بهذا ارضائك ربي وان يفهم الآخرون قصدي وان لا نجعل من الدين وسيلة للجهالة والانشقاق والكراهية والاحقاد والجريمة والارهاب بل سببا للمحبة والفهم والتقارب والتعاون على الخير واتباع الحق ولعلنا ننال بذلك رضا الله (سبحانه وتعالى).
إن حبنا للنبي الأكرم لابد ان يمنحنا حب الذين كانوا حولهُ من اصحابه المتقين الذين ناصروه وبايعوه وساروا على نهجه وحبه وحب آل بيته، وقد يعرف الكثيرون بأن حقيقة الاسلام في ذلك الجيل كان خاليا من المذاهب الفقهية وكانوا جميعًا على طريق واحد دون مذاهب ولا يوجد في تاريخ الاسلام في ذلك الوقت احد من ال البيت الاطهار او الصحابة الكرام على مذهب مختلف عن الاخر، إذ كان هناك اسلام والكل مسلمون وآية اسلامهم شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، ويصلون معًا في مسجد واحد خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم خلف الخلفاء الراشدين تباعا لانهم كانوا قادة المسلمين في امور دنياهم، ويأمون المسلمين في صلاتهم لأنه في ذلك الوقت لا يوجد أئمة وخطباء مثل الآن وكلهم يصلون صلاة واحدة وفي مسجدهم وبإمامة ولي الأمر والجميع يصلون خلف الامام نفسه وهل كان هناك في المدينة المنورة او في مكة المكرمة مساجد متعددة ليصلي كل جماعة في مسجد؟!!الجواب قطعا لا، بل الجميع يصلون معا واصحاب المذاهب الكرام اتوا فيما بعد وكانت غايتهم شرح الادلة التفصيلية والاحكام الشرعية من خلال فهمهم للنص وليس للتفريق ابدا واذا كان القرآن الكريم قطعي الورود فمن الآيات ما هو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة وتتحمل اوجها في تفسيرها وتأويلها وهنا اصبح الفهم لبعض الاحكام الشرعية متعددا وهذا شيء طبيعي، وأئمة المذاهب ابتداء من الامام جعفر الصادق والامام ابو حنيفة النعمان والامام احمد بن حنبل والامام مالك بن انس والامام الشافعي وأئمة اي مذاهب اخرى كلهم ولدوا بعد وفاة جميع الصحابة ولا يقال لأي ممن عاشوا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ان الصحابي الفلاني جعفري او حنفي او شافعي او حنبلي او مالكي بل كلهم كانوا مسلمين فقط ولم يسمعوا ولم يعاصروا المذاهب ابدًا.
لذا يجدر بنا ان ننظر الى الامام موسى الكاظم وجميع الائمة على انهم ائمة في الدين وقدوة في الاخلاق العالية والريادة وهداة الى الجنة ومبعث للوحدة والتلاحم والمحبة، وأي قلم يمكنه ان يعطيهم حقهم، وانما نعبر بما نقدر ولعل فيض رحمة الله تشملنا بحبنا لهم جميعا وترك الجدال العقيم الذي يؤدي الى الغلظة والتباعد والكراهية والجهالة ولعلنا ندخل الجنة بقلب سليم ونكون من الذين قال الله تعالى بحقنا ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)).