بكت زميلتي فرحا .. حينما أخبرتها بأن جولتنا هذه ألمرة ستكون عن سكان ألاهوار وتقاليدهم , فوافقت وعزمنا أن نذهب سوية لانجاز تحقيق صحفي مثير متميز عن أسرار وغرائب ألاهوار , فاتفقنا على ذلك ..خرجنا في الساعة الرابعة والنصف صباحا ..
كان ألصمت يلف شوارع بغداد .. ودجلة الخالد وقمره ألساطع يحتضنان ليل بغداد المدللة بمحبة أهلها ألطيبين .. ركبنا في المركبة المخصصة لنا .. وكانت زميلتي فرحة جدا لهذه الجولة العراقية الحالمة .. انها شرف وتقاليد وطقوس سكان الاهوار في ألناصرية . . فكانت هذه ألجولة المثيرة مع أهلنا هناك ..

أجمل قصة حب
هنا اقتحمنا اسرار وخفايا .. والوجه الاخر لرئيس مؤسسة الشرق للصحافة والاعلام .. استاذنا القدير عبد الرسول زيارة الاسدي .. اثناء زيارته لكربلاء المقدسة .. فلم يبخل علينا بالاجابة .. فوجدناه ودودا .. نقيا .. محبا .. لبلده .. وكشف لنا .. بقصة الحب الخالدة .. التي جمعت بين ريحان .. وريحانة .. في اهوار الجبايش .. فتراه يقول : ألحاج ريحان .. الذي عاش أجمل قصة حب مع زوجته ريحانة , حيث كان يتجول في ( المشحوف ) الخاص به ككل يوم للذهاب الى ( الهور ) .. حين كان يبلغ انذاك من العمر الثامنة عشر.. فوجدها .. فأستغرب بشدة .. .. كيف لا وهي ألتي طالما شاهدها في أحلامه .. ومخيلته .. كان يحلم بصورتها .. وفي خلسة تقرب منها .. ليعلن شرف حبه أليها من دون مقدمات .. وهو مستعد لخطبتها فورا .. لم تجب .. وأبتسمت .. ورحلت ..

رسمنا .. امنيات .. واحلام
ويضيف : كانت ريحانه هي أمل ريحان .. هي فارسة ألاحلام له .. والكلام .. منقول من دفتر مذكرات الاستاذ الاسدي .. رقدت الفراش مريضة .. وتركت أصدقائي .. وفجاة أخبرني احد أصدقائي بأن ريحانه .. تجلس على حافة ألهور بأنتظار طلتي وسماع كلماتي ألجميلة .. لم أصدق ذلك .. تحسنت صحتي .. وذهب أليها .. فوجدتها بأنتظاري .. سقطت دموعنا سوية .. لم ألمسها .. ولم أتحدث معها .. تقدمت لخطبتها , فتزوجنا .. كنت سعيدا معها .. وكانت أحلامنا هي سيدة ألحب .. ورسمنا أمنيات وأحلام لكي نكون أسرة سعيدة .. وقد تحقق ذلك .. وجاء حسن ثمرة هذا ألحب .. وفجأة جاءت عاصفة هوجاء دمرت هذا ألحب .. اذ تمرضت ريحانة تلك ألحبيبة التي أحببتها عن عقيدة وأنزلتها في قلبي عن وجدان .. فسقطت ميتة كأوراق ألخريف ..
فضاعت.. أيامي وأسود زمني ألضائع أصلا .. وما زال وفائي صادقا مخلصا الى ريحانة حياتي .. أنه وفاء الى ألابد سأصونه مهما يطول ألزمان والمكان ..

ألقيمر واللبن الفاخر
وفي الجانب الاخر ، شعرنا بأن الجواميس تجد نفسها في الجنة ، فهي تخوض وتعوم بتراخٍ الى أماكن رعيها المفضلة خلال النهار، وتعود في أوقات الحلب حسب مزاجها أو تقاد من قبل طفل صغير يركب على ظهر احداها ، وكأنها مخلوقات من قبل التأريخ.

قصة زهراء .. مع الابقار !!
يقول الحاج ابو عباس الذي ولد في قضاء ( الجبايش ) وامضى اغلب سنوات عمره في اصطياد الاسماك .. في اهوارها .. بان سكان الاهوار يعتمدون في طعامهم .. على اصطياد الاسماك بمختلف انواعها .. فضلا الى تربيتهم للابقار .. لأنها تزودهم بالقيمر العراقي الفاخر واللبن الرائب والزبد والأجبان .. واخبرنا عباس بان الشابة زهراء ابنة اخي .. مسؤولة عن رعايتهن وتوفير الطعام لهن , فتجدها تنهض في الرابعة فجرا حاملة معها لوازم الزرع في بلمها الخاص لتلملم الحشائش والزرع لتعود في السادسة صباحا لتقدمه الى ألابقار والجواميس .. وهكذا تمضي زهراء يومها مع عائلتها وأبقارها , بعد ذلك تتولى أم زهراء عملية حلب الابقار في أواني خاصة , ومن ثم يأتي أبو زهراء ليحمله في سيارته الخاصة ليبيعه في السوق

جبايش الطيب .. والشرف العراقي
ولا بد هنا أن احدثكم عن المزيد عن رحلتنا .. لقد انتقلنا من مضيف الى مضيف ، حيث وجدت انا وزميلتي بأن اصحاب مضايف اهل الجبايش الكرام كما عشائرنا الكريمة في رمادي الشرف .. وصلاح الدين .. وديالى الحبيبة التي احتضنت كافة العراقيين .. ايام الاحتلال الامريكي البغيض لارضنا الطاهرة .. عندهم طيبة اهلنا .. فيرسل مضيف يوم أو وجبة رسولاً الى التالي كي يتهيأ لاستقبالنا. .. وكرم الشيخ أمر لا يمكن رفضه ، لأن كبرياءه سيثلم وسمعته تنتقص عندما يعجز عن تقديم أجود ما يمكن تقديمه لضيفه..

كرم اهل العراق .. اذهل العالم
لقد وفرت السفرة لي ولزميلتي فرصاً عدة للحديث عن هذه الرحلة الجميلة , وفي اللحظة التي يصل المرء يقدم له شاي حلو وسكائر في المضيف ، ولا تبدأ التحضيرات واعداد الطعام إلا بعد أن يجلس الضيف. ولا تذبح الخراف والدجاج التي كانت تنتظر إلا في ذلك الوقت ، بعدئذ تسلخ
الخراف وينتف ريش الدجاج وبعدها تطبخ . ويعد الرز والسمك والحلويات (عادة يقدم المحلبي الذي يصنع من الرز المطحون المطبوخ بالحليب والمطيب بماء الورد)، لذلك تجهز الوجبة خلال ثلاث أو أربع ساعات، ومع ذلك غالباً ما تقدم باردة. وتفوت ساعات الانتظار بالأحاديث ، وعرب الأهوار متحدثون ماهرون . . لانهم ابناء بلد اذهل العالم بكرمه ..

قصة السعلوة والطنطل !!
وحول هذا ألعالم المسحور والأسطوري الموغل في أقدم الحضارات وأسرار ألاهوار , يقول أبو علي عما يقال عن وجود (الطنطل) والأحداث الغريبة والمرعبة التي يحكيها الناس في الأهوار قديما وحديثا، فقال:
عالم الأهوار يضم في طياته العديد من الحوادث الغريبة
والمرعبة التي تناقلها الناس من سكان الأهوار خصوصا في (اليشن) والتلال الأثرية المنتشرة في أهوار الجنوب عموما وأهوار الجنوب تحديدا هي في الأصل تعود الى حقائق ومنها ان أغلب تلك (اليشن) ما هي الا مساكن للعفاريت العصاة الذين انشقوا عن طاعة النبي سليمان (ع) واتخذوا اليشن مساكن لهم وبالتالي هم يدافعون عن مساكنهم اذا ما تطفل الانسان عليهم وأغلبهم كانوا يحاولون النبش في تلك اليشن من أجل الكنوز والذهب وأنهم تعرضوا لحالات الرعب من تلك المخلوقات وفي مناطق (حفيظ والهفة والعزيزة والواجف) وغيرها من المناطق في الأهوار.

اشياء لا يمكن ان صدق !!
الأساطير تبدأ في أهوار الجنوب ولا تنتهي، حتى في السنوات التي جففت فيها، حيث يروي المواطن حيدر حسن / فلاح عن تلك السنوات ايام كان في صفوف المعارضة في الأهوار انه رأى ما لا يمكن ان يصدق، حيث كان يرى في كل فجر خاصة أيام الجمع مشاهدة حية لأقوام تدل مظاهرهم على أنهم من الحضارات القديمة تنقلها الى العين أشعة الصباح الأولى وكأنهم في عرض سينمائي، حركة قوم يقومون بأعمالهم المعتادة، وكأنهم أحياء فعلا، وبعد ما ترتفع الشمس يغيب المشهد. هذا المكان يقع في (يشن أم الحناء)، حيث تروى أسطورة غريبة عنه، فقد كان أرضا مرتفعة تحيطها المياه من كل جانب وتحديدا ان هذا المكان مقبرة قديمة ومن يمر عليها يسمع أصوات الموتى وهم يصرخون من العذاب كما تقول الروايات وقد تحدث الينا العديد ممن دفن ميتا هناك، وعند الحفر يجدون أدوات التعذيب مقاربة في الشبه لما سمعنا الحديث عنه في الجحيم، وكذلك أفاعي عملاقة وأدوات وبقايا آثار النار، وفي الليل تصدر من (يشن أم الحناء) أصوات عالية تصل الى أسماع الناس في الأهوار.

أصوات ألقصب وألبردي
مع أول خيط ذهبي انسلخ من لحظات الفجر المتسارعة في الطلوع على وجه الماء الذي يعلوه القصب يرتفع ضباب الأهوار ويخترق الصمت خليط من أصوات الطيور وحفيف القصب والبردي وأصوات الجاموس وسكان الماء الأصليين العائدين بعد رحلة الجفاف.

تقاليد الزواج في الاهوار
وبشأن تقاليد الزواج المتبعة عند سكان ألاهوار , تحدث الشيخ حسين الساعدي قائلا: أول ما يبدأ به الشاب هو ألأختيار ( الرادة ) وتطلق عادة ً على الرجل الذي يرغب بالزواج من أمرأة ويقولون عليه عنده ( رادة ) أي يريد الزواج من تلك الفتاة .. وغالبا ً يرغب الرجل بالفتاة عندما يراها في الحقل في زرع ( الشلب ) الرز أو حصاده او في رعي ( الهوش ) البقر أوباقي ( الحلال ) الغنم أو ( الهور ) وذلك في ( المشحوف ) القارب أو صيد السمك ب ( الفاله ) أو في بعض ألأعراس عندما ( يزفن ) النساء العروس الى بيت زوجها ..

مرحلة العشق الرباني
وعندها يدخل الشاب مرحلة ( العشكَ ) الرباني .. أي العشق وبعدها يتلاقون في ألأماكن التي ذكرتها ويمكن تدوم هذه الحالة لمدة من الزمن تتفاوت في أغلب ألأحيان حسب وضع البنت والشاب .. ويمكن يتحولون ( العشاك َ ) الى مرحلة أخرى وهي ( الحلف ) أي القسم أن لايتزوج غيرها ولا تتزوج غيره رغم الضروف القاسية التي يمكن أن تمر بهم قبل الزواج من معارضة أو ماشابه ذلك , بعد ذلك يدخلون في مرحلة الخطبة وعندها تذهب بعض النسوة من أهل وأقرباء الزوج الى أهل البنت لجس نبض أهل البنت ويسألون هل توجد معارضة لو تقدم فلان الى بنتكم , أي فقط جس نبض لاأكثر .. وأذا وجدو قبول وعدم ممانعة عندها تأتي النساء للخطبة الرسمية .. وبعدها تكون خطبة ( زلم ) رجال وبعدها يحدد تاريخ الزواج والعقد والخ … هذا في ألأمر الطبيعي ولكن .. لو كان لها أولاد عم وكانوا يرغبون بالزواج منها أو لآيرغبون .. عندها تبدأ المشاكل ففي خطبة النساء … تنوه أم البنت الى أن البنت لها أولاد عم ويرغبون الزواج منها وتبدأ مرحلة أخرى وهي يأتي الرجل للخطبة الرسمية وتكون عادة ً ( المشية ) أو ( المشاية ) الخطابة من أهل الشاب والشاب وبعض ألأقرباء وبعض الوجوه المتعارف عليها أي ناس عاديين ..
وهكذا ينتهي الجزء ألاول من رحلتنا ألساحرة مع اسرار وخفايا أهوارنا ألجميلة في ناصرية ألحبوبي .. وفي قوادم ألايام سنقدم ألافضل أن شاء ألله ..