د. سرى ظافر
تعد اللغة طريقة للتعبير عن كل ما يجول في خلد الانسان، وهي الركيزة الاساس في تماسك المجتمع، والوسيلة الأنجع للتواصل بين الأفراد، وإذا لم تكن اللغة مشتركة مفهومة فلن ينجح هذا التواصل، فاختلاف اللغات يؤدي الى القطيعة بين المجتمعات، لكن تحقيق هذا التواصل لا يعني التخلي عن اللغة الأم، فالاعتزاز باللغة يمثل اعتزازا بالذات والهوية، وأي استهداف للغة هو استهداف للهوية ومحاولة لطمسها، فاللغة من الأوعية المهمة لتكوين الهوية، فهي تصون مخزون الثقافة والحضارة، وترمز لوجود الأمم وتشكل أداة لتخليدها.
إنّ الشعوب الواعية تدرك الخطر المحدق بها وبلغتها، مما يدفعهم إلى صونها، والحفاظ عليها بمواصلة تراثهم وعدم اعلان القطيعة معه، والسعي الدؤوب لتطوير لغتهم وترقيتها بما يلائم العصر، لكن هذه المعاصرة أخذت تنحدر بالعربية الفصيحة في مجتمعاتنا العربية الى مستويات متدنية، فانحسر الفصيح أمام العامية الموغلة في الشعبية التي بدأت تسود وتنتشر لاسيما في الاعلام المرئي والمسموع وفي وسائل التواصل الاجتماعي، بل حتى في المحافل الرسمية زاعمين بأنها قريبة من لغة المتلقي وفهمه، وإذا اعتمدوا الفصيح فعربيتهم ملأى بالعيّ والخطأ، فضلا عن الاكثار من الكلمات الدخيلة واقحام ما ليس بعربي على العربية.
إنّ العرب – بصنيعهم هذا – يعملون بوعي أو لا وعي على تدمير لغتهم، وتحقير شأنها عبر الاستخفاف بنحوها وصرفها ورسمها، ولا مبالاتهم ببيانها وبديعها؛ وهذا العزوف عنها وعن اتقانها يعد شكلا من أشكال التخلي عن الهوية العربية، فازدراء اللغة هو ازدراء للذات والهوية، لذا ينبغي النهوض بالواقع اللغوي عبر تعليم اللغة السليمة وترسيخها في الذهن منذ الطفولة، والنأي عن الخاطئ والدخيل لحماية الوجود العربي والهوية العربية.