عبد الرسول الاسدي
تفنى قصائد الشعراء وينضب مداد القوافي والشرق تغفو على إبداع وتصحو على إصرار وتواكب مسيرة وطن خدم نفسه بنفسه وتزاحم على منصة صناعة الذات وإتقان الوجود وصيانة الهوية .هي أيقونة المحبة والمهنية والألفة التي إنسكبت على لوحة الشرق لتعيد خلق الحياة من حولنا بأبهى أشكالها وأروع صورها . وهي التي تطارد سرب الأمنيات الخضراء أينما يصول ويجول في عالم الفرح أو دنيا المسرات ليقظف منها باقة من سعادة لا يناهزها شيء .الشماء الأصيلة ،التي ولدت من فجر الوطن ، وإعتنقت كبرياء الأزمنة وجالت في فصول الأزمة لتعيد خلق ذاتها مرارا ، فالشرق عنقاء الحروب وزهرة السلام وحمامة العشق وزيتونة الإنتماء وهي التي لم تخذل أبدا من يعشق العراق ولم تصطف مع سواه حتى لو كانت الأثمان باهضة وكبيرة .ففي كل صباح تسابق الشرق شمس بغداد لتفتح نوافذ التفاؤل على غد تتسابق فيه النوارس الى الشطآن وتعانق أمواج دجلة نسيم الأمنيات وهي المعشوقة الرغيدة والمليحة الأصيلة التي يتبارى للوصول اليها كل من اختبر أغنيات الهوى ففاز منها بمتعة اللقاء الأول وخصب الحب من التنهيدة الأولى .
الشرق هي مطربة الحي التي لا تطرب إلا من أدمن سمفونية الوطن واغدق العشق على شرفات الأزقة وإنحناءات الدروب وضجيج الباعة وهي معنا في كرخ بغداد ورصافتها ، مؤذن يعلن ان حي على الوطن في مواسم صناعة مصيره وغد إبتكاره ونهار صبره وليل أمنياته .فمالايراه الآخرون نشاهده نحن بعين الضمير ، وما يتزاحم عليه الباحثون عن المصالح والمتكالبون على المناصب أبعد مايكون عن رغبتنا وهدفنا مادمنا مع الوطن في مفترقات محنته.
في الشرق عطاء مقاعد الدرس العراقي الأول وفيها رفاق يذودون عن علياء الكلمة وشموخ الموقف وبهجة الصورة الجميلة التي تصطف في الوجدان وتتفجر في العيون والافئدة والقلوب المضرجة بسعادة الألفة ورونق الفرح بتفصيلاته المتشاكسة .فمازلنا نقدح زناد الفكر لنقف كثيرا مع الشرق وطويلا مع تلك المعاني الشماء لذلك الألق الذي تكتنز فيه هذه الشماء الأصيلة وتتبختر في عرسها الطويل . الشرق وما ادارك ماهي ؟ أغنية أدارت عقارب أزمنتها صهباء العشق وادامت رونقها تلك الأزهار التي سجد عبيرها على قارعة الإشتياق الى الوطن في كل لحظة .هي صاحبة أولئك المدمنين لهوى العراق والباحثين عن لحظة وداد فارقة يمعنون فيها تسجيل أسماءهم في صرح الخلود ويتوقون الى ترديد قسم الحب لشوارع هذا الوطن الجميل وأزقته التي تفوح منها عراقية الروح والجسد والأمنيات .