كريم هاشم العبودي
يحتاج أي مهتم بعالم السحر والسحرة أن يطلع على هذه المغامرة التي تكشف كثيرا من خبايا هذا العالم الذي يحيطه الغموض والإثارة والخوف.
هي مغامرة مثيرة لنا تقمصنا باقتدار شخصية ساحر، وخرجنا منها بتفاصيل ومعلومات وتجربة لم يكن من المتاح التعرف عليها للكثيرين. استطعنا من خلالها اختراق العالم السري للسحرة، وفك الكثير من جوانب الغموض فيه ..

كيف تصبح ساحرا؟
بدأت المغامرة عندما أردت كشف زيف السحرة، فترددت على الكثير منهم متظاهرا بأنني مريض تارة، أو بي مس من الجان تارة أخرى، ومع كثرة التردد عليهم صرت ملما بحركات الساحر وسكناته، وملما بأصول المهنة. خاصة أنني كنت قد اشتريت الكثير من كتب السحر المنتشرة في شارع المتنبي ، وحفظت بعض ما بها من طرائق السحر والشعوذة.
ثم اخترت لنفسي اسما مستعارا أمارس من خلاله مغامرتي كساحر، فاخترت اسما يلقي الرهبة في نفوس سامعيه، وقمت بنشر عدة نبوءات عن أحداث أتنبأ بحدوثها مستخدما عبارات فضفاضة ومستعينا بحس الصحفي في طرح التخمينات ..

حل المشاكل الزوجية !!
وكانت المفاجأة أنني تلقيت عدد كبير من الاتصالات تطلب العلاج والشفاء من الجان، أو حل المشاكل الزوجية، بل واستخراج الآثار وتحويل الالاف إلى ملايين أحيانا ، فقمت باختيار عشرات الحالات من مختلف شرائح المجتمع العراقي ..

امارس السحر لوجه الله !!
بعدها قمت بعمل ملفات للحالات التي أتعامل معها، بحيث يحتوي ملف كل حالة على بيانات الشخص واسم والدته وزوجته ورقم هاتفه، وشكواه وعمله وثروته، وأصدقائه وكل ظروفه العائلية. وعندما كانت تأتيني احدى النساء .. كنت أسألها عن كل شيء عن زوجها وتعاملاته وكذلك صديقاتها ووظائف أزواجهن ومشاكلهن، كما قمت أحيانا بالتحري عن المتردد أو المترددة عليَّ بشخصي كصحفي بدون تنكر، فلما تعود السيدة أو الرجل، أقوم بعرض كل مشاكله عليه فيدهش ويصدق أنني صاحب بركة فعلا , وعرض علي بعضهم أموالا فرفضتها بحجة أنني أمارس السحر لوجه الله !!
وفي أحيان أخرى فشلت في علاج المريض .. فطلبت طلبات غريبة مثل شراء بخور الدارسين ، وبالطبع يعجز المريض عن شراء هذا البخور .. لأنه لا يوجد بخور بهذا الاسم أصلا، ثم أدعي أن الجان لن يحقق طلباتنا إلا بتحقيق هذه الطلبات المستحيلة. وبهذا أخرج من المأزق الذي كان يتكرر كثيرا .. والغريب أن بعض الحالات شُفيت بالصدفة ، وأصبحوا يؤمنون بأنني صاحب سر خطير .. وهو ما أسخر منه أصلا !!

لقاء مع ساحر
وفي أثناء المغامرة .. اتصل بي أحد الدجالين في احد مناطق بغداد .. لمشاهدة أعماله .. ودخلت إلى غرفته الحمراء .. فوجدت امرأة تطلب حل مشكلتها .. فقام هذا المشعوذ بإحضار إناء به ماء، ولصق مادة الشمع الأحمر بغطاء الإناء بحجة أن الشمع الأحمر يستدعي الجن لإحضار العمل، في حين أنه يخفي تحته العمل ، ودعا المرأة إلى مشاهدة الإناء بنفسها للتأكد من خلوه من أي أعمال، ثم وضع الغطاء على الماء، وأشعل النار تحت الإناء حتى يغلي الماء، ويذوب الشمع الأحمر بفعل الحرارة ويسقط العمل في الإناء، ويطلب من المرأة رفع الغطاء لترى العمل أمامها.
فأردت أن أكشف حيلته، وبعصا في يدي كسَّرت بعض الأشياء الموجودة داخل الحجرة، فشتت انتباه الساحر، فوضعت يدي بسرعة في الإناء وأخذت العمل، ولما طلب الساحر من المرأة رفع الغطاء لم تجد شيئا سوى الماء، فادعى أن الخادم (من الجن) نصراني وأنه يعانده، وسيحاول مرة أخرى، ثم عاود الساحر عزائمه مرة أخرى، وفي هذه المرة ادعيت أنني أكلم الجان، وأصدرت أصواتا غريبة، ثم ارتميت على الأرض وأحدثت ارتباكا في الحجرة، حتى تمكنت من إلهاء الساحر وسرقة العمل من الإناء، فلما طلب من المرأة كشف الغطاء لم تجد شيئا للمرة الثانية.

الساحر المشعوذ .. انزعج مني !!
فأنزعج مني قائلا بلهجة تهديدية: ماذا بك يا اخي ؟!! فرددت عليه: عذرا يا شيخ فلقد حدث تداخل في الاتصال معي من الجان الخاص بك. فأمر الساحر بإخراج المرأة من الحجرة، ثم هددني قائلا: ماذا تريد بالضبط؟! فعرفته بهويتي الصحفية، فإذا به ينادي مساعديه وأعطاهم الأوامر بضربي، فهددته بالاتصال بكبار المسئولين، وذكرته بزملائه المشعوذين الذين دخلوا السجن، فامتثل وتركني لحال سبيلي، وهددني بالإيذاء إن أفشيت سره.
وأذكر أنه عقب قيامي بنشر تفاصيل المغامرة اتصل بي الكثيرون من الذين اطلعت على أسرارهم وهددوني بالقتل إذا أفشيت أسرارهم. والطريف في الأمر أن المشعوذين يتعاونون مع الشرطة، ويمدوهم بكافة أخبار المترددين عليهم.

اعترافات ساحر تائب
وعقب نشر مغامرتي الصحفية اتصل بي أحد الأشخاص وأخبرني أنه ساحر سابق، ولكنه تاب الآن، واتفقنا على أن يؤلف كتابا بعنوان «اعترافات ساحر تائب» ولكن القدر عاجله، وقال لي عن أسلوب عمله بالسحر إنه كان يجهز عشرات «الأعمال» ويرقمها ويعد لها سجلا خاصا، ويقوم بالاتفاق مع القائمين بأعمال الشعوذة في المنطقة على أن يضعوا «عملا» في حائط كل بيت يشطبونها، مقابل مبلغ من المال على أن يخبروه بمكان «العمل» تحديدا وفى أي حائط، واسم الساكن الجديد، وبعد سكن البيت، يتصل مساعده بالساكن ويوهمه بأن لديه مشكلات كثيرة، وأن هيئته تدل على ذلك .. وبالطبع كلنا لديه مشاكل .. وأن حل المشكلة عنده «الساحر»، وبالفعل يأتي إليه الساكن .. فيرجع لسجل «الأعمال» ليعرف مكان العمل في البيت تحديدا، ثم يذهب وبعد قراءة التمائم والتعاويذ يستخرج «العمل»، وساعتها يصاب الساكن بدهشة شديدة، ويتكرم عليه بمبلغ كبير من المال.

السحرة والنساء
وهنا اود ان اقول للأسف فإن أغلب المترددين على السحرة والمشعوذين من النساء، كثير من هؤلاء السحرة تخصصوا بالاعمال القذرة ، فيخبرون المرأة أن الجني يريد معاشرتها .. عبر الساحر كشرط لشفائها وتستجيب المرأة، وتحت هذا البند قام الكثير من السحرة بالزنا واغتصاب النساء نيابة عن الجن!!، وهناك فتيات كثيرات فقدن عذريتهن مع السحرة بعد أن يختلي بها في حجرته المظلمة.
ولا يفوت أن نذكر بأن بعض العطارين، وبعض أصحاب المكاتب يعملون على ترويج بضاعة السحرة والمشعوذين، فيجمعوا بذلك أرباحا طائلة. والدافع الرئيسي لهؤلاء الدجالين والمشعوذين والسحرة هو جمع المال، وكذلك ممارسة الفاحشة مع النساء.

كيف يخدع الساحر ضحاياه؟
وهنا تحدث الاعلامي والناشط المدني السيد انوار عبد الجليل الموسوي .. قائلا : ربما يتساءل البعض: كيف يتمكن الساحر من خداع الناس؟ وأتصور أن الساحر يتمتع بشخصية فريدة، وله قدرة كبيرة على الإقناع، وعلى درجة عالية من الثقافة والذكاء، ويعرف تفاصيل كثيرة عن المترددين عليه .. إذ يقوم الساحر بعمل ملف لكل شخص يتردد عليه .. يشمل كل بياناته .. فإذا حضر إليه الشخص المسحور ذكر له الساحر بياناته، فيندهش الشخص من معرفة الساحر لكل هذه المعلومات رغم عدم وجود معرفة سابقة بينهما.

شبكة من السحرة تتقاسم المغانم !!
ويضيف الموسوي : والواقع أن الساحر أو الدجال يكون شبكة من الأفراد تتقاسم معها المكاسب المادية التي يستولون عليها من ضحاياهم. فالعراف أو الساحر يكون له في منطقة نشاطه مساعدون يقومون بجمع الأخبار والمعلومات عن الشخص الذي يتردد عليه لو لمرة واحدة، فإذا حضر ثانية يطلب منه الساحر «أثرا» ويذكر له كل مشاكله وتفاصيل حياته، فيندهش الشخص ويسلم امره للساحر.

يستخرج الآثار من باطن الأرض
ويستدرك بالقول : كما أن مساعدي الساحر يجلبون له الزبائن، فأي شخص تظهر عنده بوادر مشكلة مرضية أو نفسية أو زوجية، يسرع المساعد على الفور لينصح الشخص بمعاودة الساحر قائلا له: «الشيخ فلان لديه العلاج لمشكلتك»، ويكرر عليه ذلك على مدار أكثر من يوم، سواء في المسجد، أو في الشارع، كما يعمد مساعد الساحر أن يجلب الزبائن ذوي المكانة الاجتماعية مثل الاغنياء والتجار واصحاب معارض السيارات وبعض الساسة فهؤلاء رؤساء في مواقعهم، وعندما يسيطر عليهم الساحر يمكنه بسهولة السيطرة على المرؤوسين.

نمو فكر السحر والشعوذة !!
وللأسف فإن البيئة الثقافية للمجتمع العراقي لا سيما في هذه الظروف التي يمر بها العراق تساعد على نمو فكر الدجل والشعوذة والسحر .. فالتراث الشرقي (الهندي والتركي والعربي) مليء بالخرافات، فلدينا حكايات ألف ليلة وليلة، وسيرة أبي زيد الهلالي، والخضرة الشريفة، وسيف بن ذي يزن، وكل الأبطال في هذه السير تعرضوا للسحر.
كما أن ضعف مستوى الأطباء، وجهل الكثير منهم بأصول المهنة يدفع المرضى إلى اليأس من الشفاء والعلاج، وبالتالي يطرقون باب المشعوذ أو الساحر يطلبون منه العلاج. وعندما يطرق المريض باب المشعوذ، يستغل المشعوذ نفسية المريض جيدا ويحاول فهمها، مستغلا أن المريض يبوح بكل مشاكله، ويبوح بأدق أسرار حياته، فالمسؤول إذا ذهب للطبيب يحافظ على هيبته ولا يبوح بكل شئ ، وعندما يذهب للشيخ يكون كالطفل الصغير الذي يقف أمام أمه ويحكي له كل شيء ويفضفض عن كل همومه، وفي ذات الوقت فإن الساحر لا يسمح له بمناقشة أي شيء، وينفذ أوامر الساحر على علاتها وغرابتها، فإذا صادف وشُفي المريض، ينسب النجاح للساحر.