د. محمد ضباشه
بين الحلم والحقيقة مسافات لا تحسب بمقاييس الزمن ، بل لها حسابات خاصة تتحكم فيها الظروف وعلاقة الإنسان بالزمان والمكان، وما يجنيه هذا الإنسان من حريات وما يلعبه الكبت في سلوك البشر، هنا تختلط الأوراق ولا نستطيع أن نميز بين الحلم والواقع ولهذا لم يستطيع شعبان الخروج من عنق الزجاجة التي عاش فيها خريف دائم لا تتغير عليه فصول أخرى إلا حلم كان يراوده بين الحين والحين بأن غدا سوف يكون له شأن عظيم .
وفي ليلة كان القمر فيها بدرا يلقي شعاعه على غرفة في منزل قديم مبني بالطوب اللبن كانت هي دنيا شعبان البالية وإن شئت قل مقبرة عاش فيها كأهل الكهف ينتظر وميض من حياة تبعث فيه الروح من جديد ، هم واقفا ونظر في مرآة صغيرة معلقة على الحائط فرأى حلم يمر أمامه ، وموكب كبير من السيارات الفارهة يسير خلفه حتى وصل القصر وجلس على كرسي العرش وحوله كبار رجال الدولة ، ابتسم ابتسامة عريضة للحظات وتذكر ما كان يسمعه من والدته عندما كانت تنصحه يا بني « الحيطان لها ودان « داري على شمعتك تقيد ، فنظر خلفه وأطمئن أنه بمفرده وفي الصباح سوف يتحقق الحلم الذي بات انتظاره زمنا طويلا .
عدت ساعات، دقات متتالية على باب منزله الذي كاد أن يقع مغشيا عليه من العنف ، هم مسرعا وإتجه صوب الباب ، فتحه بسرعة فوجد سيارات الشرطة ورهط من الجنود مدججين بالسلاح فابتسم واعتقد انهم التشريفة التي تصاحبه إلى القصر ، أقترب منه كبيرهم وطلب منه الذهاب معهم وبالفعل ركب سيارة الشرطة في صمت حتى وصل الى قسم الشرطة .
فتح المحضر وأدلى للمحقق باسمه وعنوانه وكان السؤال ما قولك فيما هو منسوب إليك بأنك قمت بقلب نظام الحكم فى البلاد
ابتسم ولم يرد
أنت متهم بقلب نظام الحكم وتنصيب نفسك رئيسا للبلاد.
صمت برهة من الوقت وطلب من المحقق كوب من الماء ، شرب ما شرب ووقع على الأرض مغشيا عليه .
مرت أيام وأيام وهو على هذا الحال لا يعلم ماذا يجري ، وفي صباح أحد الأيام وجد نفسه في قفص حديدي داخل محكمة الجنايات
الحاجب : محكمة
وقف كل المتواجدين بالقاعة ، دخل القاضي ومن يعاونه ، نادى على المتهم ، انتبه شعبان ورفع يده للقاضي وبعد توجيه التهمة إليه، وبعد أن أعطاه القاضي الإذن بالدفاع عن نفسه قرر القاضي بأن الحكم بعد المداولة وخرج هو ومن يعاونه من قاعة الجلسة
مرت دقائق وساعات ولم يخرج القاضى ، اغمض شعبان عيناه ، تلاشت القاعة بمن فيها من الحضور وتلاشى القفص الحديدي ، فتح عينيه ، اقترب من المرآة المعلقة على الحائط بجوار صورة والدته نظر فيها بغضب وقعت على الأرض وتناثرت في كل أرجاء الغرفة ، ابتسم لوالدته وجال بنظره هنا وهناك وقال : الله يرحمك يا امي
ثم أتجه إلى ركن من أركان الغرفة ، رفع فأس قديم على كتفه وخرج من داره يبحث عن نهار جديد .