حاوره/ علي صحن عبد العزيز
في لوحات التشكيلي (عادل أصغر) كل لوحة تحمل إيقاعًا خاصًا يبتكر من خلاله أسلوبًا مميزًا ومنفردًا، وكأنها كاميرا وثائقية توثق كل ما يراه وبخاصة المشاهد الريفية والطبيعة، وكذلك كانت اللوحة عنده بمثابة دالة أحصائية تحمل وأنسانية بين جنباتها هموم الناس البسطاء والكادحين، ونتيجة لذلك فلقد تحولت أعماله إلى مفردات مقروءة عند أبسط المتلقين.
* تفاصيل لوحاتك مفتونة بالدقة، هل القصد من ورائها إثارة انفعالات المتلقين؟
– حينما بدأت الرسم في بادئ الأمر تفاعلت وتأثرت جدًا باللوحات الكلاسيكية ، مثل أعمال (رمبرانت ودافنشي) وكانت هي بدايتي التعامل مع الألوان الزيتية ، ثم انتقلت إلى تقليد لوحات المستشرقين ، ومن هنا جاء تركيزي على الدقة والتفاصيل ، حيت أجد فيها المتعة لكونها تبين مدى إمكانية الفنان لطالما كان العمل بحاجة لهذه الدقة والتفاصيل.
* ما الذي تلتقطه عينك أثناء تجوالك في الأماكن العامة وتراقبه عن كثب؟
– أول مايجذب أنتباهي معاناة الفقراء الذين يؤدون الأعمال والتي أكبر من طاقاتهم لصعوبة المعيشة، وبما أني أحمل في فني الرسالة الإنسانية ، ولذلك أعتبرها رسالة شكوى لله ثم لكشف تقصير الجهات المسؤولة والحكومات لهذه الطبقة بالرغم من إمكانياتها الكبيرة وايراداتها المادية القوية كالعراق مثلًا.
* إلا تعتقد بأن قاعات العرض والمدعومة من قبل الدولة يمكنها إن تمنح فرصة أكبر لعرض الكثير من الأعمال التشكيلية؟
– بصراحة في الوقت الحاضر أرى القاعات الحكومية حالها حال بقية قاعات العرض فقط الفرق فيها لا تأخذ مبلغ أشتراك من الفنان ، ولذلك يخرج الفنان في نهاية الأمر لم يكسب سوى عناء حمل اللوحة ذهابًا وإيابًا وشهادات الورق التقديرية أعتبرها إهانة للفنان الذي يمتلك القيمة الفنية والمكانة في الساحة الفنية ، ولكنها قد تفيد الهواة من الشباب ليّكون لنفسه سمعة أو مكان بين الفنانين وكذلك الدخلاء على الفن.
* نتفق من حيث المبدأ بأن اللوحة روضة نفسية، هل تشعر بأنها ترجمت مشاعرك؟
– أعتبر اللوحة بيئتي الحقيقية وعالمي الذي أحتاجه، وأتنفس من خلاله الخالي من الشوائب والنفاق والدجل وإلى آخره من منغصات الحياة.
* الألوان عندك لغة عالمية أم ماذا؟
– الرسم اللغة المرئية للعالم أجمع ، لأنني أعتبرها كائنات حية جميلة تعطيني ما أحتاجه وتفهمني أكثر من البشر ، فحين أتفاعل معها تجدني كالطفل الذي يلعب ويشعر بالسعادة مع العابه، بل هي تصبح كالملائكة أو الأشباح الجميلة الترفة والرقيقة أمامي ، وتكون لنفسها أشكالًا ورموزًا كما أريد وقبل أن أطلب منها ، واجدها تضحك وتتكلم معي وتغازلني وترقص وتغني كما أغني أو أسمع ،وبصراحة لم أجد المتعة الكبيرة إلا مع ألواني.
* ما الصلة ما بينك وبين النقد في المقام الأول؟
– أنا مع النقد البناء الخالي من الخدش والتجاوز على حقوق الفنان وميوله ومرحبًا بالنقد الذي ارتقي من خلاله.
* الا تشعر بأن الهوية التشكيلية النسائية غائبة ما بعد عام ٢٠٠٣؟
– لا أرى العكس في ذلك، والدليل في كل المشاركات أجد العنصر النسائي أكثر من الرجال،وليس على مستوى العراق بل على صعيد الوطن العربي ولكن الإمكانيات متفاوتة.
* من التشكيلي الذي إثر عليك وأسترعى انتباهك ضمن هذا السياق؟
– لم يأتي على بالي أحد ، فلقد كونت نفسي بنفسي منذ كنت طفلًا صغيرًا حتى قبل دخولي للمدرسة بيتنا الطيني في الريف كان يملؤه ابي باللوحات العالمية المتنسخة ، وكانت تزين أسفل السقف من جهاته الأربع وأحدق وأدقق في كل لوحة وكل يوم ولا أمل من النظر إليها، وأشعر بالمتعة وأتخيل عالم كل لوحة، وكنت دائمًا أحلم برؤيتي للوحات وبورتريهات كبيرة في عمق السماء وأحجام كبيرة وموزعة بشكل دائري منظم ، وإنا أقف لوحدي وسط فناء دارنا واجد منها تضحك ومنها تبكي ويصيبني الرعب وأذهل لما أراه وحتى في عمري هذا بين فترة واخرى تأتيني نفس الرؤيا ، وفي طبيعتي حتى يومنا هذا أحدق في كل شيء في شقوق الجدران والأرض والغيوم أبحث عن أشكال مختلفة خرافية وآدمية وحيوانية ، ولذلك أنا كثير التأمل والهروب من الواقع.
* هنالك بعض الأعمال تبرز بعض( مفاتن المرأة ) ….ما المقصود منها؟
– منذ طفولتي وانا أمتلك حس فني وعاطفة خاصة وأول تأثري بجمال لوحة (بنت المعيدي) والتي كانت ضمن لوحات أبي والمعلقة على جدران البيت ، جعلتني أشعر لا بأنه لا يوجد هنالك أجمل منها في تفاصيل عينيها وشكل أنفها وفمها ولون بشرتها، وخاصة كانت نشأتي القروية التي جعلتني أتفاجأ بجمالها الفاتن والساحر ، وهذا الشيء جعلني أتفاعل مع كل جميلة، فبدأت أرسم الجمال وأظهر مفاتنه وأصبح جزء من إبداعاتي في هذا المجال.
* ثقافة التشكيلي ضرورية…ام يكتفي بالفطرة والموهبة؟
– بالتأكيد الفطرة لاتكفي رغم أنها الأساس البنيوي للفنان ،وتعتبرالثقافة مكملة لشخصية الفنان ولرسم كارزمة خاصة به.
* فنون أخرى من شأنها زيادة جمالية اللوحة؟
– سماع الموسيقى والغناء وحتى القرآن أشياء مهمة جدًا للفنان ، لأنها تفتح له آفاق كبيرة تفيده بالرسم ولو أستطاع الفنان أن يغني أو يعزف او يكتب الشعر لكان أفضل.
* هل ترتبط أعمالك مع بيئتك، وما مدى أستفادتك منها؟
-بلا شك البيئة عنصر أساسي لبناء الإنسان حتى وإن لم يكن فنانًا أو أديبَا أو شاعرًا ، وما اكتسبته من البيئة بالنسبة لي فهي البساطة والصدق وحب الناس ،كل هذه وجدتها وعرفتها من قريتي التي نشأت بها.
* ما مدى علاقتك بالتيارات الحديثة للفن التشكيلي ، أم تحتفظ بأسلوبك الخاص؟
– نادرًا ما تعجبني لوحة من لوحات الحداثة لكون أغلب فنانيها من الذين عاجزين عن الرسم الأكاديمي والتشريح ومزج اللون ، فيذهب إلى عشوائيته التي لا تتطلب منه كل هذه الشروط ، ولكن عشوائيتهم لا تعبر على أصحاب الخبرة في الدراسة الأكاديمية العمل وأن كان من الحداثة فإن لم يأتي من إتقان الفنان الرسم الأكاديمي يكون ضعيفًا وركيكًا ومشمأزا للأنظار، وللأسف الشديد هنالك من المروجين لهم من الإعلاميين مقنعًا نفسه على إنه يمتلك الثقافة العالية والحس باللون على أعتباره فن يعتمد على الإحساس والرقي وبهذا يسعى الإعلامي واهمًا على إنه أرتقى وبانت رفعته بهذا الترويج.
* أراك قليل التواجد في المعارض التشكيلية؟
– لعدم قناعتي بها من حيث المبدأ.
حدثنا عن آلية من شأنها ترويج اللوحات التشكيلية لغرض بيعها والاستفادة منها ماديًا؟
– أذا أرتقت الشعوب وتركت التفاهات، وأهتمت الدولة بالفنان وروجت للمبدعين الكبار، وبدأت تقتني الأعمال الناجحة من الفنانين ، لأنها الإنطلاق الحقيقي للفنان فالرجل تكبر مكانته وقيمته كلما عظمته أهله.
* بعض اللوحات تنفذ على القماش أو الخشب، وبعض منها على الكانفاص…ما الفرق بينهما؟
– اللون يكون أكثر قيمة وجمالية وعمرًا طويلًا مع الكانفاص ومع الخشب بالدرجة الثانية، وأخيرًا مع القماش يكون عمر اللوحة قصير.
* ماذا تعني إليك الموسيقى وأنت ترسم؟
* الموسيقى والغناء يجعلانك تدخل إلى عالم الخيال والجمال، وهما عاملان مساعدان ومكملان لهما روحية تكون مضافة وممزوجة مع اللوحة لذلك تخرج اللوحة أكثر تأثيرًا للمتلقي.
* ميول بعض النقاد إلى لوحات ترسمها بعض التشكيليات والمدح عليها على الرغم من ضعف محتواها الفني؟
– أعتقد الهدف منها واضح.
* هنالك موجة من إقامة المعارض التشكيلية هنا أو هناك، بما تفسرها؟
– الهدف منها الكسب المادي لمتوليها، وليس همهم تقييم الفنان أو أفادته ، وهنالك الكثير منهم دخلاء على الفن ومنهم من هو بحاجة إلى الدراسة والتطوير.