كتب: سمير السعد
في كُّلّ منتخبات العالم، يعد الأداء في الدوري المحلّي أو الخارجي المعيار الأساس لاختيار اللاعبين للمنتخبات الوطنيّة، حيث تسعى الأجهزة الفنيّة لاستقطاب الأفضل بناءً على المستوى الفني والبدني للاعبين، مدعومًا بالإحصائيّات والأرقام، لكن عندما ننتقل إلى العراق، يبدو أن هذه القاعدة تُستبدل بمعايير أخرى غامضة وغير مفهومة.
إن المتابع للكرة العراقيّة يلاحظ تكرار دعوات لاعبين إلى المنتخب في طريق التصفيات المؤهّلة لكأس العالم 2026 التي أنهت ست جولات منها حتى الآن، برغم تراجع مستوياتهم في الدوري، أو حتى غيابهم التام عن المشاركة مع أنديتهم، وفي المقابل، هناك أسماء بارزة تضيء الملاعب المحليّة بأدائها المميّز، لكنها تظلّ بعيدة عن أعين المدرّبين والمسؤولين، هذا التناقض الواضح يثير التساؤلات حول طبيعة المعايير التي يعتمدها الجهاز الفني في اختيار القائمة النهائيّة.
هل يرتبط الأمر بالمحسوبيّة أو بالعلاقات الشخصيّة؟ أم أن هناك عوامل خفيّة لا يعلمها الجمهور؟ الإجابة على هذه التساؤلات تتطلّب شفافيّة أكبر من قبل اتحاد الكرة والجهاز الفني، وإعادة النظر في آلية الاختيار لضمان أن يرتدي قميص المنتخب من يستحقه، لا من يفرضه الواقع الإداري أو غيره.
منتخب العراق يملك مواهب قادرة على تحقيق الكثير، لكن تجاهل هذه المواهب لصالح أسماء لا تقدّم شيئًا على أرض الملعب يعيدنا خطوة إلى الوراء، ويجعل الحُلم بالتطوّر بعيد المنال.
إنَّ الكرة العراقية اليوم بحاجة ماسّة إلى ثورة في التفكير، قائمة على وضع المعايير المهنيّة أوّلاً وقبل كُلّ شيء، لا يمكن لمنتخب يحلم بالمنافسة على الساحة الإقليميّة والدوليّة أن يستمرّ في تجاهل الأداء الفعلي للاعبين في الدوري المحلي والخارجي.
الجمهور العراقي، الذي يُعدُّ الأوفى بين جماهير العالم، لم يعد يقبل بسياسة الترضيات أو الاعتماد على أسماء قديمة لمجرّد أنها معروفة، وهناك مواهب شابّة تُبدِع في الدوري وتنتظر فرصة لتمثيل الوطن، لكنها تصطدم بواقع مرير يمنعها من الوصول إلى القمّة.إن الحلّ يكمن في تبني سياسة شفافة لاختيار اللاعبين، تكون واضحة للجميع، وتستند إلى معايير فنيّة دقيقة مثل الأداء الفردي، الالتزام، والجاهزيّة البدنيّة والنفسيّة، يجب أن يدرك المسؤولون أن المنتخب ليس مكانًا لتجربة اللاعبين غير الجاهزين أو الذين لا يقدّمون مستويات مقنعة.
إذا أراد المنتخب العراقي أن يعود إلى واجهة المنافسات، فإن أوّل خطوة هي إعادة بناء الثقة بين الجمهور والمنظومة الرياضيّة، ولا يتحقق ذلك إلا عندما يرى المشجّع أن الأداء في الدوري هو المعيار الأوحد، وأن المنتخب يمثل الأفضل بحق، ولأن القميص الوطني ليس مجرّد زي، بل مسؤوليّة وشرف لا يستحقه إلا من يضحي ويُبدع في سبيل الوطن.
“أداء الدوري.. بوّابة المنتخب” يجب أن يكون الشعار الذي يُطبَّق فعليًّا، لا مجرّد كلمات تردّدها المنظومة الكرويّة العراقيّة دون تطبيق! فتجاهل الأداء في الدوري لا يضرّ فقط بمسيرة المنتخب، بل يقتل طموح اللاعبين الشباب الذين يعملون بجدٍّ لإثبات أنفسهم، وعندما يدرك اللاعب أن التألّق في الدوري لن يضمن له مكانًا في المنتخب، فإنه يفقد الدافع لتطوير أدائه، ممّا يؤثر سلبًا على مستوى الدوري نفسه.
الدوري العراقي مليء بالمواهب الواعدة التي يمكن أن تكون عماد المنتخب لسنوات قادمة! هناك لاعبون يسجّلون أهدافا حاسمة، وآخرون يقودون فرقهم لتحقيق الانتصارات، وبرغم ذلك يتم تجاوزهم في اختيارات المنتخب! هذه السياسات تُضعِف الثقة بين اللاعبين والجهاز الفني، وتفتح المجال لاتهامات بالمحسوبيّة والمجاملات.
من جهة أخرى، يجب أن يتحمّل الإعلام الرياضي مسؤوليّته في تسليط الضوء على هذه الظاهرة، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن القرارات غير المنطقيّة. فالصحافة صوت الجماهير، وعليها أن تكون الجسر الذي ينقل معاناة اللاعبين وآمالهم إلى أصحاب القرار.
إذا استمرّ هذا النهج في تجاهل الأداء كمعيار أساس للاختيار، فإن المنتخب العراقي سيبقى يدور في حلقة مفرغة، حيث تتحقق نتائج متواضعة دون بناء حقيقي للمستقبل. الحل يبدأ من إعادة النظر في سياسات الاختيار، وتفعيل دور لجان فنيّة متخصّصة تراقب أداء اللاعبين بشكل دقيق وعادل.
في النهاية، المنتخب الوطني هو حُلم كُلّ لاعب عراقي، لكن هذا الحُلم يجب أن يكون مبنيًّا على الكفاءة والاستحقاق، لأن الوطن يستحقّ الأفضل، وجماهيره تستحقّ أن ترى منتخبًا يعكس طموحاتها وأحلامها، لا أن يُدار بمنطق المجاملات والمحسوبيّات.
اداء اللاعب في الدوري لا يؤهّله لارتداء قميص المنتخب!
