عبد الرسول الاسدي
بسبب إنشغالاتي المتواصلة أجلت الكثير من القراءات المهمة ولعل كتاب ( البجعة السوداء ) للكاتب الأمريكي من الأصول اللبنانية نسيم طالب والذي إحتل قائمة الكتب الأكثر مبيعا هو من ضمن المؤجلات ، رغم اني اطلعت على الكثير مماتضمنه في فترة سابقة.
ومن العنوان نلحظ الشيء المختلف والنادر والأكثر إثارة للغرابة : هل توجد بجعات سوداء حقا؟
في الكتاب الذي يستحق أن نقراه ثمة ما هو مغاير في الطرح والأسلوب ما يدفعنا الى تغيير قواعد السلوك المعتاد خاصة لصناع القرار الإقتصادي والسياسي وكل مجالات الحياة تقريبا . تحضرني هنا تلك الحكمة التي تنطوي عليها قصص الآباء والكبار والتي تبتعد أحياناً عن النمطية وتكون خاصة بصاحبها .
ولأن العالم المتحضر يسبقنا بما يعرف بمراكز الدراسات والبحوث ومنها السياسية والإقتصادية وغيرها ، فان اللامعين في هذا المجال هم قليلون بل ونادرون الى درجة يصدق معها ما قاله لي أحد المهتمين بالتحليل الستراتيجي قبل فترة ( لا توجد قواعد ثابتة لأن النوابغ وهم قلة يمتلكون عقلية مميزة ونمطا من التفكير غير تقليدي).
ربما لهذا السبب كان كيسنجر على مدار عقد من الزمن يدير بوصلة السياسة الأمريكية بتفرد ولهذا ايضا تشخص أجهزة الرقابة وحتى عمليات التصفية ضد الكسندر دوغين الذي يعتبر عقل بوتين والمستشار والمنظرالخاص به والذي يعد صاحب نظريات ورؤى غريبة بعض الشيء.
نظرية البجعة السوداء هي إنعطافة في نمط التفكير الروتيني الذي يراه الكثيرون مثاليا في حين انه قد يكون فاشلا أو عاجزا عن قراءة الكثير من الأحداث ضمن سياقاتها الصحيحة ويرهنون أنفسهم في قيود القوالب الجاهزة والنظريات المعدة سلفا .
مجتمعنا اليوم يعاني كثيرا من إجتهادات وقيود وأفكار تحتاج الى إعادة إنضاج عبر رؤى غير نمطية وبعيدة عن التكرار والإستنساخ وقريبة من التغيير الذي يتماشى مع مايأتي به القلة من العباقرة ( ولدينا منهم الكثر ).
اتذكر هنا المهندس الذي زارني في الصحيفة قبل عشرة أعوام وكان يملك اطروحات مميزة في الإعمار قدمها للحكومات المتعاقبة والإدارات المحلية فلم تجد لها اذنا صاغية وكان مصيرها ربما الى سلال المهملات ثم غادر الى دولة اخرى ليكون من المرموقين في مجالهم.
نحتاج الى ان نتيح المجال لأصحاب الرؤى العبقرية والأفكار غير النمطية في كل المجالات لنحقق نجاحات ننتظرها بعد أن ثبت بالتجربة ان التكرار الملل لم يجد نفعا.