همسة كمال الدين
ليس هنالك حدود واضحة دقيقة تفصل بين الأجناس الأدبية، فما الأديب إلا رسام بكلماته، وما الرسام إلا أديب بلوحاته، فيمكن أن يحاول عدد من الرسامين ولوج عالم الأدب وتنويع أساليب تعبيرهم عن ذواتهم، واتخاذ الكتابة وسيلة محاذية للرسم كي تبلور تصوراتهم عن عوالمهم، أو من خلال استعانة أدباء في مختلف الأزمنة بمنجزات الرسم والإتكاء عليها في أعمالهم لتكون مصدر إلهامهم وتحفيزهم، اهتم العرب قديما بالشعر وعرفوا بكونهم أمة شعر وأمة بلاغة وبيان، هذا الاهتمام يبرز أن الحضارة العربية رامت الاهتمام بالأدب والفنون لبناء كيان متوازن يجمع بين العلمي الصارم والأدبي والفني الجمالي الباني للذوق.

فبعض الكتاب استلهموا من لوحات عدد من الفنانين العالميين، مثل الكاتب السوري ( سليم بركات ) في روايته سبايا سنجار مازجا بذلك بين اللوحة والرواية مبتكرا أسلوب مميز، كما قال الكاتب والروائي التونسي (كمال الرياحي) جئت إلى عالم الأدب من ممارستي لفن الرسم وفن التصوير الفوتوغرافي، وهناك بعض اللوحات الفنية المستوحاة من الأدب العالمي، يعد الرسالم الإنجليزي جون إيفرت ميليه واحدا من أهم الرساميين الذين جسدوا شخصية(أوفيليا) الحبيبة المعذبة التي ظهرت في مسرحية شكسبير العالمية (هاملت) والتي أقدمت على الإنتحار بجدول ماء عندما فقدت الأمل بالزواج من حبيبها وإسم اللوحة (انتحار أوليفيا)، أيضا اللوحة العالمية (السيدة شالوت) للرسام البريطاني جون ويليام وترهاوس مستوحاة من قصيدة الشاعر الإنجليزي ألفريد تينيسون. كما أن الفن بشكل عام يدخل علم النفس، حيث كانت أولى مراحل التعبير البشري هي رسم الرموز على الجدران خاصة في دور العبادة ومنها الكنائس، فيعتبر طريقة للتعبير عن المشاعر، الفن لديه تاريخ طويل جدا، في الأيام القديمة كان مرئيا بشكل لوحات في الكهوف. خلال هذه الفترة من الزمن، استخدم الناس الفن للتواصل. بعض علماء الاجتماع يسلطون الضوء على هذه المجتمعات لمعرفة تقاليدهم ومعتقداتهم، كان للفن أيضا وظيفة دينية. إن ما يجمع الفن والأدب هو العنصر الجمالي والمشاركة الوجدانية مع المتلقي، كما أن الفنانين والأدباء يشتركون في تجسيد الفكرة سواء أكان ذلك من خلال الرسم أو الكتابة، فالكتاب والفنانون يعلمون جيدا أن الأفكار تموت إذا لم تخرج من ذهن الإنسان، وأن الفنون والآداب هما ركيزتان للثقافة بمدلولها العام، وهما جناحان للآفق الرحب والخيال العريض، ومن دونهما لا تستقيم الأمور، لذلك عكف العرب عبر التاريخ على لغة الشعر، واعتبروه ديوان العرب الحقيقي.البعض يتحدث بحتمية ربط الأدب بالفن لأن الفنون تهذب النفوس لتعكس روعة إحساسها بالكلمات، فما أجمل هذا الدمج المتقن الذي يظهر مدى التلاحم بينهم. عندما ننظر إلى غلاف الرواية ونرى إحدى الرسوم التي يطلق عليها فن تشكيلي، فهذه الرسمة تعبر عن مكنون الرواية أو القصة، هنا تلتقي الحدود الثقافية بين الكاتب والفنان، فالفنان الحقيقي ينقل معنى الرواية بدقة، والكاتب الحقيقي يدرك معنى هذه الرسمة.
أخيرا
اذا أردت أن تعرف قيمة أمة معينة، وأن تختبر هويتها الحقيقية فما عليك إلا أن تطرق أبواب مسارحها وتقرأ في كتبها وتزور قاعات الرسم وصالات النحت، للأدب واللوحة عين واحدة يريان العالم من خلالها بمنظور واحد لا يختلف سوى في الشكل والطريقة ويبقى المضمون جامعهما في كل الحالات، والحق أن الفن والأدب بناء متراكب، متآلف العناصر، متكاتل الأنحاء والزوايا…